بقلم عبـــــد الخـــــالق قلعـــــه جي
كما هو الماء حين يغيض.. تنسرب الحروف من بين عين ومدى، فتبدو كأمواج السراب.. الضباب فيها أقصى ملامح الوضوح.
أحد الأصدقاء وقد لفته تأخر مقالتي سألني هل تكتب الآن.. قلت له البارحة حقيقة عدت والعود عناوين.. تم قراءة بعضها لتضيق بالأخرى العبارة وقد اتسعت الرؤية.. ولعله أدركها مبكراً ذاك ” النِفَّرِي “.
هل هو صيامٌ للقلم ولوحة المفاتيح يشتكي الندرة، والعناوين على قارعة الطريق؟ أم أنها الحالة أحياناً تطول أشهر حملها وانبعاثها إلى أن يضيق الصدر بعسير مخاضها فينطق جوى النفس والروح بوحاً لا يكتبه مداد ولا يسري به حرف.
ع البال بعدك “من هنا وهناك” البرنامج الإذاعي الأخير في رحلة عطائه والحياة، الذي أعده وقدمه في إذاعة حلب، المذيع عادل عبد الوهاب الفنان المخرج والممثل، بعد العودة من سفره الطويل عام ألفين وعشرة. لعل حالي اليوم ايضاً يشبه إلى حد بعيد هذا العنوان.
لن أتوقف عند حضور غياب التيار الكهربائي ولا عند المدعوة بـ ” الأمبيرات “.. عن المواد الغذائية لن أتحدث، ولا عن الخضار والفواكه التي صعوداً يتدحرج سعرها ولا عن دواء.. رحمك الله الدكتور صبري قباني من وضعت كتاب الغذاء لا الدواء.. يبدو أن “لا” أخرى سقطت سهواً بداية العنوان.
متناثراتي اليوم ” من هنا وهناك ” لن تحملني على أن أفشي السر معها أو أن أبوح.. فعلى العاشقين أخشى من أن دماءهم ستباح.. كم أنت ثقيلة أيتها المواعيد المتأخرة.. يا لهذا الحقل الشائك الذي على المبدع عبوره ويا لذاك الزمن الطويل الذي يجب عليه الانتظار.. لكأن السهروردي بعض الشيء أنصفك – الفنان أحمد الفارس العلي – في ذلك المشهد الذي قدمته وثلة من زملاء محبين آملين وذلك على مسرح ثقافي العزيزية في احتفالية تأبين الراحل الكبير عبد الفتاح قلعه جي
في الغور البعيد منها مازال صدى العمر الجميل الحنون يرفرف في الذاكرة ومازلت على شغفي أعود من جديد لأتابعه على قناة سما.. مسلسل “أرابيسك”..
تسعة وعشرون عاماً على عرضه الأول مضت.. و “أرابيسك ” مازال بعناوينه حاضراً وبما يتناوله ويطرحه من تفاصيل تمس البنية المجتمعية وما طرأ عليها من انزياحات.. يقرع جرس إنذار ليحمي أسواراً ويبقي على مناعة و نور لا ” يتفرفط ” ولا الحنان ولا الأمان.
يبرز المسلسل الحي الشعبي والاصالة التي تسكن في زواياه.. يصور جمال العادات والتقاليد والألفة والمحبة.. يصور في الوقت ذاته كيف ان التالية من الأجيال لم تعد ترى فيه ما يملأ رئتيها بالعبق الذي ينشدون.. يعرِّج على تلك الهوة وتلك العلاقة المفقودة وحالة الاتكاء على الظن بأنهم أشادوا جسوراً يعبر عليها الأبناء بأمان فكان ان انسربت وانفلت من بين أيديهم زمان كأنو سحبة قوس في أوتار كمان.
بصوته العذب الرخيم جاءني هاتفه يرد على اتصالي به مباركاً له بالذكرى السابعة والسبعين لتأسيس إذاعة دمشق العريقة.. الإذاعة السورية الأم والتوأم الأكبر لإذاعة حلب.. حوالي ثلاثين دقيقة هاتفية مع الإعلامي القدير والشاعر جمال الجيش حملت كل ألوان النبل والمحبة والود وتفاصيل الهم الوطني وملامح خلاص تتبدى.. طوبى لكم أيها الأوفياء الغيارى.. قلوباً نابضةً بالحب وأيادٍ خيرة نقية.. تجعل من الأمل حقيقة جسر عبور للغد الأجمل لهذا الوطن إن شاء الله.. ولكل امرئ من اسمه حقاً نصيب.