العطاء في رمضان

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

 

إنَّ البخيل وإن تَنَسّكَ مُذنبٌ

أما السخيُّ فذاكَ أعطى فاتّقى

رمضانُ يا شهر العبادةِ قل لهم

أنا للسخاء كذاكَ يا أهلَ التُّقى

 

قبل أن أتحدث عن شهر رمضان وعظيم الأجر ومضاعفته لأهل الجود فيه أجعل بين يدي ذلك مقدمةً هي ما أورد الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه: “البدر الطالع”  حيث قال: “كان رجل فلاحاً وكان ذا دِين وصَدقة، فاتفق أنه بنى مسجداً يصلى فيه وجعل يأتي ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشائه؛ فإن وجد في المسجد من يتصدق عليه أعطاه ذلك العشاء، وإلا أكله وصلى صلاته، واستمر على ذلك الحال، ثم إنها جاءت شدة ونضب ماء الآبار، وكانت له بئر فلما قل ماؤها أخذ يحتفرها هو وأولاده، فخربت تلك البئر والرجل في أسفلها خرابا عظيما، حتى إنه سقط ما حولها من الأرض إليها فأيس منه أولاده، ولم يحفروا له، وقالوا: قد صار هذا قبره، وكان ذلك الرجل عند خراب البئر في كهف فيها فوقعت إلى بابه خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه فأقام في ظلمة عظيمة، ثم إنه بعد ذلك جاءه السراج الذى كان يحمله إلى المسجد وذلك الطعام الذى كان يحمله كل ليلة، وكان به يفرق ما بين الليل والنهار، واستمر له ذلك مدة ست سنين والرجل مقيم في ذلك المكان على تلك الحال، ثم إنه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لإعادة عمارتها فحفروها، حتى انتهوا إلى أسفلها فوجدوا أباهم حياً، فسألوه عن حاله فقال لهم: ذلك السراج والطعام الذى كنت أحمل الى المسجد يأتيني على ما كنت أحمله تلك المدة”.

 

هي حكاية تُروى لنعتبر بقيمة ما نقدمه للآخر من خير، فإنّ أهل الصدقات ينالون الثواب في الآخرة وينالون الحفظ والتوفيق في الدنيا وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (صنائع المعروف تقي ميتة السوء) رواه الطبراني في المعجم.

 

لقد أقبل شهر رمضان على مجتمعنا والناس يبسطون أكف الدعاء ويرفعون أصوات الرجاء لرفع ما حلّ بهم من غلاءٍ وبلاء.

 

وكان لزاماً علينا أن نُذكر كل ذي سعة بأن شهر رمضان ليس شهر الصيام فحسب بل هو شهر الجود والكرم والصدقات وبذلُ المال في البر والإحسان، وما أحوج الصائمين ذوي الحاجة إلى من يعينهم بسخائه ليكملوا عدة رمضان وقد حمدوا نزوله عليهم، فأقبلوا على الطاعات وقد خُفف عنهم همّ المعيشة، وأُعينوا على التفرغ للطاعة.

 

يقول الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان….) رواه البخاري.

 

فالجود والسخاء سنةٌ عظيمة في رمضان وقد بشر الله تعالى بالتعويض على المنفقين فقال سبحانه: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].

 

وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله -تعالى- جواد يحب الجود، و يحب معالي الأخلاق، و يكره سفسافها” (رواه البيهقي). كيف لا والسخي ذو يدٍ نديّةٍ لجسورِ الودِّ بانية، ونفسٍ رضيّةٍ بالخيرات حانية. يقوم بأعظم أنواع الإحسان، ويقدم إيثاراً لا يحتاجٌ لبُرهان.

 

ما أحوج مجتمعنا بجميع مكوّناته في هذه الأيام لأهل السخاء والجود ليعمّ التكافل والتعاضد في مجتمعنا وتمر هذه الأزمة والحصار الاقتصادي الجائر عن وطننا الحبيب سورية.

======

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار