رمضـــــان ” دوت كـــــوم “

بقلم عبـــــد الخـــــالق قلعـــــه جي

 

كما هي أطيافه الروحية المباركة، وقد صاغها الله بهاءً وسناءً ونوراً يصل الأرض بالسماء.. كذلك هي أوراق هذا الشهر الكريم زاهية ملونة بتفاصيل عيش وحياة وذاكرة، وكثير من عادات وتقاليد وطقوس، تعبق بها أيام استثنى الله فريضتها.. ” إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به “.

 

أُغالب الشوق – إلى أيام كانت ذات زمان – من أن يحملني إلى رمضان في البيت والحارة.. إلى أسواقه والمدينة القديمة.. إلى السكبة وأذان المغرب.. مروان شيخو وتحية الإفطار.. إذاعة حلب “اللهم إني لك صمت”.. التلفزيون العربي السوري وفوازير نيللي وشريهان.. مجالس رمضان وسهراته.. الحكواتي والمسحر.. إذاعة دمشق وقت السحور.. حمزة شكور.. توفيق المنجد وسليمان داوود.. حان الآن موعد أذان الإمساك حسب التواقيت وما حولها.

 

جاهداً حاولت أن أمسك نفسي من أن يستبد بي – إلى تلك الأيام – حنين يوقفني على الأطلال، فما استطعت، لأنها كانت كما ” تترات ” المسلسلات، بسرعة الذاكرة تتالى.. كأنها بالأمس شريط.. يوماً أو بعض يوم.. مرَّ في غفلة منا عن كثير مما كان وصار وآلت إليه أحوال.

 

وإذا كنا به نتغنى وعنه نتحدث، زمناً جميلاً له في بعض ذاكرة حضور، فإن الكثير من عناوينه والمفردات تسجل الآن في حضرة ذاك الزمن وبكل أسى انزياحاً وغياباً.

 

مع مرور الزمن واختلاف إيقاع العصر وأدوات تعبيره ووسائل تواصله، فإنه من الطبيعي بل من المؤكد أن تتراجع بعض طقوس – بشكلها – لتحل محلها أخرى صنيعة ذلك الاختلاف وتحديثات ذائقته.

 

ظاهر الأمر يقول إنه تطور حتمي تفرضه قوانين تعاقب الأجيال وحركة الحياة وسيرورتها، أما في أبعاده التي صار إليها فهو أن فرمتة وفق اعدادات بعناية فائقة ضُبِطت وبُرمِجت بحيث لا يصل شواطئها آمناً إلا قليلُ عديد.

 

لا داعي أن تشغل نفسك بكتابة تحية الصباح ولا المساء.. لا بـ “جمعة مباركة أو رمضان كريم” ولا داعي بالمقابل أن تفكر في رد التحية، فالخيارات أكثر من متاحة.. ملصقات وسمايلات وأشكال الإعجاب وغيرها.. وما عليك بعد أن رتبوا لك كل شيء كما يرغبون، إلا أن تضغط الزر.. و” يا قلبي لا تتعب قلبك ” فنحن نفكر عنك ولك وأدرى بنفسك منك..

 

إصداراً بعد آخر تغدو مستطابة أكثر، تلك المائدة المفتوحة الجاهزة أبداً، وتحلو لنا معها ممارسة تقنيات حسِبنا أننا المستثمرون فيها فكان أن نُصِبت علينا وفُتِحت ” ميم ” لم نعد قادرين على كسرها.

 

رسائل السماء.. ” في البدء كانت الكلمة “، وفي القرآن الكريم، في البدء كانت “اقرأ”.. ولعلنا ونحن في رمضان أحوج ما نكون إلى أن نصل بعض مقاصد هذي الرسائل وحواملها الروحية وتفاصيل تَجسُّدِها في العيش والحياة.

 

في عالم تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية، تبرز عوامل الأمان واحدة من أهم اجراءات الحفاظ على بيانات ومحتويات هامة، تجاه أي حالة قد تُعرِّضها لخطر فيروسات مصنعة تودي بها إلى استيلاء أو تدمير أو فقدان.. إزاء ذلك أطلقت شركات عالمية ما يسمى ببرامج الحماية ضد الفيروسات.. هذه البرامج التي تُخضِع كل جديد وافد إلى الاختبار للتأكد من سلامته قبل أن تستقبله الذاكرة وتقبله ويصير جزءاً منها.

 

من غير استئذان، ولا برامج حماية.. فإن كثيراً من جديد بدأ إلى حياتنا يتسلل.. وبكل الذكاء الشـ يـطاني والدهاء يغـ ـزوها، مستهدفاً فكرنا والثقافة.. التاريخ والحضارة ومنظومات القيم الروحية والاجتماعية والأسرية والعادات والتقاليد النبيلة الأصيلة، وذلك بدعاوى الانعتاق والتحرر والانفتاح وغيرها من ألوان المصطلحات الشهية المحشوة بشتى أنواع السموم وكامل دسمها.

 

كل ما يخطر في البال وما لا يخطر – حتى الموسم الرمضاني – سخَّروه من البعيد البعيد، لأجل هذا الهدف.. برامج ومسلسلات ومنصات تواصل – تُقدِّم أعمالاً جذابة مشوقة.. تمرر عناوين مغرية.. تزرع أفكاراً غريبة – تخترق المثل والقيم والأخلاق والمبادئ والرموز، وتسوق طرائق حياة، تتكسر فيها كل التابوهات وتتجاوز جميع الخطوط والألوان لتكون بامتياز معاول هدم تفتت بناء الإنسان وأركان العائلة والمجتمعات.

 

اقرأ، والقراءة في جانب منها تقول بوعي عميق لما يراد، بعيداً عن انكفاء وتقوقع وانغلاق وإدارة ظهر ودفن رأس في الرمال.. وفي جانب آخر تقول بامتلاك الوسائل ومفاتيح القوة والمناعة ومجاراة العصر لنمتطي صهوته بدل أن نسلمه بيدنا القياد.

 

اقرأ – ونحن في رمضان – تقول: إن واجبات روحية وإنسانية واخلاقية ووطنية تحتم علينا ان ننتقل من موقع رد الفعل الآني إلى ساحات الفعل المسبق الذي يعزز المناعة ويحفظ قيماً وأخلاقاً ومبادئ نحن بأمس الحاجة إلى التمسك بها بكل ما أوتينا، طوق أمان ونجاة واستمرار.

 

اقرأ…. ” وحملها الإنسان “.. هي مسؤولية الجميع وأمانة.. سُبحة بين أيدينا أمانة، من أن ينقطع خيطها وينفرط عقد وتتناثر حبات، والأخرى الأمانة.. أن ننسج من خيوط الجيل بالـ “دوت والـ “كوم” حاملاً، نمد لهم به يداً، جسر عبور آمل آمن إلى شواطئ غدٍ أجمل لهذا الوطن بمشيئة الله.

 

======

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

 

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار