بين الصَّوم والصّيام

*الدكتور الشيخ محمود عكام – مفتي حلب

الصَّوم إمساكٌ معنويٌّ عن المفطّرات المعنوية، مِنْ معاصٍ وآثامٍ وخطايا ومحرَّمات، وهو في أصله إمساكٌ عن سوى المادِّيات.

قال تعالى على لسان مريم’:

(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) مريم: 26.

وحينما نعودُ إلى ما ذكرناه في المستهلِّ نؤكِّد عليه وندعمُه بما ورَدَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم قال: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ)، ولم يَقُل: فإذا كان صيامُ يوم أحدكم.

وكذلك في أحاديث أخرى.

أمَّا «الصِّيام» فهو إمساكٌ عن المفطِّرات الحسيَّة منْ طعام وشراب وجماع. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة: 183.

وحينما نشرحُ هذه الفريضةَ نقول في رُكنها: إنَّها امتناعٌ عن الطعام والشَّراب والجماع منَ الفجر وحتى المغرب.

وهكذا فالصِّيام هو المفروُض، والصَّوم هو الثمَرة المنشودةُ من الصِّيام، فنحن نصُومُ صياماً لنصلَ إلى الصَّوم، أي إلى الامتناع عن المفطِّرات المعنويَة منْ عصيانٍ وفُجورٍ وفسُوق.

وقد ورد عن عليّ كرَّم الله وجهه أنه كان يخطب إذا حضَر رمضان ثم يقول: هذا الشَّهرُ المبارك الذي فرضَ اللهُ صيامَه ولمْ يَفرضْ قيامَه. ألا إنَّ الصِّيام ليسَ منَ الطعام والشَّراب؛ ولكنْ منَ الكذبِ والباطل واللَّغو.

وعن جابر س أنَّه كان يقول: إذا صُمتَ فَلْيصُمْ سمعُك وبصرُك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودَعْ أذى الجار، ولْيَكُنْ عليك سَكينةٌ ووَقار.

أي: إذا صُمتَ صياماً فليكنْ ذلك طريقاً وسبيلاً وذريعةً إلى أن تصوم صوماً.

ومِن رحمة الله تعالى بنا أن كلَّفنا بالصيام وفرضَه علينا، ولو أنَّه جلَّ وعلا فرضَ الصَّومَ لشَقَّ ذلك على النَّاس، ولما أدَّى هذه الفريضة إلا قلَّةٌ قليلة من الناس المؤمنين.

عن أبي أُمامةَ س قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْنِي بعملٍ يُدخلُني الجنَّةَ. قالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ)، ثمَّ أتيتُه الثَّانيةَ فقالَ: (عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ).

لكنَّ هذا لا يعني عدمَ الاكتراث بالصَّوم، والالتفاتَ إلى الصيام فقط، بل علينا أن نمتحنَ صيامَنا بصَومنا، وعلينا أن نجعلَ منْ رمضان شهراً للصِّيام والصَّوم معاً، ومن سائر أشهر السَّنة أوقاتاً للصَّوم والامتناع عن المعاصي والآثام.

وأنا أتوجَّه إلى كلِّ مسلم صائم لأقول له: حاسبْ نفسكَ كلَّ يومٍ مِنْ أيام رمضانَ عن صيامِها وصَومها، فهل صمتَ صياماً فقط، أم إنك صُمتَ صِياماً وصَوماً؟

وإنِّي على يقين من أنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (يشملُ الصائمين صياماً وصَوماً معاً، فالثوابُ العظيمُ لا يَطالُ مَن امتنع عن الطعامِ والشَّراب والجماع، وتركَ العِنان لنفسه لتعملَ آثاماً ومعاصيَ وخطايا.

 

======

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار