بقلم عبـــــد الخـــــالق قلعـــــه جي
مرحبا يا بنتي قال لها.. ردت الصبيَّة الجالسة على مقعد في حديقة.. أهلين وسهلين عمو… ممكن طلب؟ قالت له: تفضل بتأمر.. محتاج مبلغ ثمن علبة دواء هل يمكن أن تساعديني؟.. سلامة قلبك عمو.. قديه حق الدوا؟ رد الرجل: عشرة آلاف ليرة سورية..
أطرقت الصبية محرجة وخيم الوجوم على وجهها وارتسمت علامات حزن وأسى.. رفعت رأسها وبكل اللطف قالت: آسفة يا عم لدي فقط ثمانية آلاف تفضل خذ منها ستة.. وألفين تركت أجرة السرفيس أعود بها إلى البيت…
اعتذر بشدة عن أن يأخذها فأصرت بأكثر منها.. مد الرجل يده بانكسار وأخذ هذه الآلاف النبيلة، وبحرارة رد بكل عبارات الشكر والثناء والامتنان للصبية التي قابلتها بتمنيات لو أنها تملك كامل المبلغ لتقدمه… يمضي الرجل في سبيله وهو لا يكف عن الشكر لها والدعاء.
كما على خشبة المسرح ينتهي المشهد مع الإعتام.. لتفتح الصورة على المشهد الثاني.. شاب يحمل ميكرفوناً والصبية على ذات الجلسة.. القلم في يديها والأوراق.. لعلها أوراق جامعية.. يقترب الشاب المذيع منها مرحبا: “آنسة في عنا مسابقة بتحبي تشاركي فيها”؟..
“ايه ممكن بس ان شالله ما تكون الأسئلة صعبة”..
ثلاثة أسئلة للأمانة ليست بالصعبة وليست متناهية السهولة، ربحت معها جائزة المسابقة مبلغاً مالياً وضعته في الحقيبة وتابعت ما كانت تقرأ..
يعود الرجل في المشهد الثالث يسلم عليها ويعتذر عن طلبه مجدداً بأنه ما استطاع تأمين باقي ثمن علبة الدواء.. بكل السعادة والفرح قالت له: تكرم عينك ياعمو ولن تصدق ما حدث معي بعد ان غادرتني.. هذه بقية المبلغ وهذه إضافة عليه أيضاً.. ( يظهر في كادر التصوير مجدداً الشاب المذيع إلى جانب الرجل )…
هل تذكرتني؟ يسألها.. قالت بالتأكيد، قال لها: كل التفاصيل السابقة التقطتها كاميرات برنامجنا، وهذا الرجل هو من فريق العمل ممثلاً.. نحن على منصتنا نرصد في تجربة، ردود فعل الناس تجاه حالة إنسانية مجتمعية.. أنت فعلاً إنسانة طيبة نبيلة رائعة بالفعل، وتستحقين كل الشكر والتقدير والاحترام يكتِّر الناس لأجلك.. غمرت وجهها السعادة وتمنت للرجل دوام عافيته..
على مثل هؤلاء يتجلى نور الله كل الشهور ومن خلال عيونهم يبتسم على الأرض
عمو يا عمو.. هذا النداء الجميل يعيد ذاكرتي إلى صورة أخرى، إنما غنائية شعبية كتب كلماتها لإذاعة حلب ذات يوم الشاعر الغنائي أنطوان مبيض ولحنها نديم الدرويش وجاءت عبر اسكتش رمضان وحارتنا.
عدد من اللوحات تضمنها الاسكتش: القناديل.. القهوة.. المسحر و”غزل البنات: فستق وجوز.. قيمق ولوز قرب ودوق وبعدين قولي هات من غزل البنات”.
( الأطفال وقد تحلقوا حول بائع القناديل )..
الأطفال: عمو ياعمو يابو القناديل.. عطينا ياعمو.. عطينا قناديل
طفل: أنا بدي القنديل الأحمر..
طفل ثان: أنا بدي هادا الأصفر..
بائع القناديل يقول للطفل ثالث: وانت ليش واقف ع الزيق..
الطفل الثالث: أنا ما بقدر.. اكتر..
الأطفال: لأ بْقْدِرْ
بائع القناديل يقول للطفل ثالث: ليش عم تهرب
الأطفال: ما عندو حق القنديل.. ما عندو حق القنديل
بائع القناديل: قرب لأشوفك قرب، نقِّيلك قنديل وشيييل.
الأطفال: عمو ياعمو يابو القناديل .. شكراً ياعمو.. على القناديل
كم من طفل ثالث في رمضان وعيد ينتظر صبيَّة وبائع القناديل ومعها ظمأ وشوق إلى “يا ليلة العيد والليلة عيد وأي شيء في العيد وبهالعيد بدي قدم هدية” .. في الذاكرة هي مرجأة مؤجلة تنتظر هي الأخرى فرحاً نراه بإذن الله قريباً، يوماً ترجع الأرض فيه إلى أهلها وتبتسم القبلة الأولى وتشرق ضحكة على ثغر طفلة ظلت تحلم بمدرستها وسقف بيت وبثوب العيد.
======
تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب