موسم الهجرة إلى الشمال…

  • د.سعـد بساطـة

بادئ ذي بدء استسمح الكاتب السوداني الطيـّب صالح لتجـرّئي عـلى استخدام عـنوان أحد كتبه الشهيرة؛

والمقصد الذي أبغـي لفت النظر إليه هنا: موضوع الهجرة مركـّزاً عـلى الخارجية منها، ففيها خسارة لا يمكن تقدير أبعـادها المباشرة والمستقبلية.

كثـُر المتحدثون في هذا الشأن، وكلـّهم طرحوا أموراً تهم ّ الشأن العـام، ولكن أين الحلول، وأين من ينصت للمقترحات؟؟

الهجرة: بالتعـريف هي تغـيير مكان إقامة و (عـمل) الفرد – وأسرته- لأسباب شتى، وفي واقع الأمر فبحثنا الآن سيتطرّق لهذه “الشتى”، ويبحث في جذورها، وينقـّب عـن حلول ٍ لها، عـلّ هناك خروج من المحنة التي نعـانيها ويشاركنا فيها أبناء العـالم الثالث- (النامي كما يسمونه تلطفاً).

البحث عـن فرصة أفضل: كان هذا هو السبب الأدعـى للاهتمام، ولاريب أنّ تلك الفرصة لم تأت ِ في بلد الأجداد؛ فهرب صاحبنا بما يملك من عـلم ٍ ومعـرفة إلى بلدان ٍ أخرى – الغـرب في غـالب الحالات- لتصبح خسارة الوطن مضاعـفة، فقدان العـقل المميـّز بسبب الهجرة، وكسب دولة أخرى لهذه الخبرات ) حيث العـلاقة بين الدول تنافسية بحتة )!!!

دعـونا نبحث الأمر من جذوره فللهجرة أسباب أهمـّها: المردود المادي، بحث عـن الذات للعـطاء.

تتّجه العـمالة ضعـيفة المهارة للدول المجاورة (العـربية منها، العـمالة العـادية إلى لبنان قاربت النصف مليون نسمة بمنتصف التسعـينيات) في حين أن الماهرة تقوم باختيار الدول وفق الفرص الأفضل.

وهنا نلاحظ خسارتنا لرسوم تعـليم المهاجر والتي تدفعــها الدولة لإعـداده ليصبح مؤهـّلا ً لسوق العـمل، ومن ثم ينطلق إلى بلدان الاغـتراب…

ولاننسى أنّ ضمن المعـايير السبعـة للزعـامة العـالمية تـتربـّع الريادة العـلمية والتفوّق التقني في مقدمة العـناصر.

توقعت دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لقسم السكان في الأمم المتحدة في تقريرها عن هجرة السكان بما فيهم الأدمغة والكفاءات العلمية أن يتزايد عدد المهاجرين في سورية وبذلك تكون الخسائر السورية من هجرة أدمغتها العلمية أكثر من 100 مليار دولار بينما قدرت مكاسب الدول المتقدمة والمستفيدة من تلك الكفاءات العلمية بأضعاف ذلك المبلغ.

وبحسب التقرير العربي الأخير عن المعرفة فإن سورية تعتبر من البلدان المصدرة للكفاءات العلمية وهي تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي. وهذه الهجرة تحرم البلاد من خبرات هي بأمـسّ الحاجة إليها، فيتم استيرادها عـلى شكل خبراء أجانب (خواجات) يقبضون بالعـملة الصعـبة “ليمنـّنوا” عـلى البلاد والعـباد بقليل ٍ من معـلوماتهم..

ومنهم عـمالة أقل شأناً؛ يقول أحد الزملاء:” تجوّلت ببلد خليجي بين الوكالات لشراء سيارة، ومن الفرجة للاستعـراض للشراء، لتوقيع العـقد.. لم أحتك بأي ّ خليجي، بل عـربي، كلها جنسيات مختلفة وافدة للإعـتياش.

والأرقام العـالمية: يشكـّل المهاجرون 214 مليوناً أي أكثر من 3% من سكان كوكبنا، منهم 37% من العـالم النامي للعـالم المتقدم.

الثروة الحقيقية ليست في النفط أو الفوسفات والغـاز، بل في العـنصر البشري، والخسارة الكبرى نزيفه للخارج ، كونها من أكبر الآلام الموجعـة التي يشكو منها عـلمنا وصناعـتنا واقتصادنا.

مهاتير محمد بدأ ثورته بتحويل ماليزيا من فأر إلى نمر جسور، وذلك في بداية الثمانينيات، بتكريس العـلم والبحث العـلمي في كل قطاعـات الحياة، هنا ازدهرت الأنشطة المختلفة ( سياحة، زراعـة وتصدير ..إلخ) ، وانعـكس الرخاء عـلى العـلماء وذوي المهارات من العـاملين بتلك القطاعـات، فانتفى الغـرض من هجرتهم، بل ازدادوا تمسـّكا ً بمواطنتهم، أي ببساطة هي دائرة متكاملة ينعـكس نشاط ٌ فيها فيؤثـّر إيجابًا عـلى الآخر..

كان القطبان الأكبر في عـالمنا يتباريان عـلى اجتذاب العـلماء – لاسيما الألمان عـلى أنقاض ألمانيا المدحورة- وكان هؤلاء نواة الناسا في أمريكا ومشاريع الفضاء في روسيا، والطرفة هي تراكض المستشارين للرئيس الأمريكي بأنّ الروس سبقوه بواسطة “يوري جاجارين” للفضاء، وتوالت المفاجآت.. الروس داروا حول الزهرة، الروس وصلوا للقمر، الروس دهنوا وجه القمر بلون عـلمهم أحمر.. هنا قال الرئيس الأمريكي” الآن: دعـونا نرسم فوقه شعـار كوكاكولا”!!!!

لاننسى أن هجرة عقول البلدان النامية للمتطورة خسارة مزدوجة فهي  Barin drain  للبلد الأول، و  Brain gain  للبلد المضيف .

أسباب الهجرة كثيرة وعـديدة، والحلول باختصار: تحديث البنى التحتية، العمل المؤسساتي، وربط الأنشطة الاقتصاديـة بتقدّم البحث العـلمي والتكنولوجيا. وللعـلم فليست الدولة مسؤولة عـن كل الأنشطة، وليست قادرة بجرّة قلم على استصدار قانون لمنع الهجرة، واجب المنظمات الأهلية والقطاع الخاص تأمين فرص مجزية لكل الأطراف لمنع هذا النزف…

======

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

كما يمكنكم متابعتنا على التلغرام وفق الرابط :

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار