التفكير الموضوعي بين الحقيقة والوهم (٣)

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

انظُــرْ بِـعَقلِكَ إنَّ العيـنَ كاذِبَـةٌ

واسمعْ بِقلبِكَ إنَّ السـمعَ خوّانُ

ولا تَقُـل كُلُّ ذي عيـنٍ لـهُ نظـرٌ

إنَّ الرُّعاة تَرى ما لا يَرى الضانُ

بيتان من الشعر للشاعر الأندلسي أبو العباس أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي التُّطَيليُّ الأعمى. المتوفى سنة ( ٥٣٥ هـ – ١١٢٦م) قدّم التُّطَيليُّ من خلالهما نصيحةً ذهبيةً للمجتمعات والأفراد الذين يحرصون على الصواب في حياتهم.

ذلك أنه قد يُبتَلى المجتمع بأناس يظنون أنهم أصحاب فكرٍ نيرٍ وفهمٍ ثاقب، فإذا عرضت لهم مشكلةً أوجدوا لها حلولاً وهي في الحقيقة تزيد المشكلة تعقيداً، وهذا ما نسميه بوهم الصواب الذي ينجم عن تفكيرٍ خاطئ وقياسٍ فاسد.

وكنت قد تحدثت في مقال سابق عن التفكير الموضوعي بين الحقيقة والوهم وها أنا ذا أستكمل ما بدأتُ به فأقول بأن فساد التفكير والخلط بين الأمور من غير معرفة حقيقية بها قد أصبح نهجاً للبعض إما عن قصدٍ وتلك هي الخيانة أو عن غير قصدٍ وتلك هي الطَامة كما قال الشاعر:

إن كُنت لا تدري فتلك مُصيبةٌ

وإن كُنتَ تدري فالمُصيبةُ أعظمُ

ومن خلال هذا التفكير الفاسد يصبح المجتمع مشلولاً مُتهالكاً أمام مشكلاته عاجزاً عن تجاوز أزماته، دائم التقدّم نحو الخسارة والضعف، متربعاً في قعر الهاوية.

وهناك مثلٌ في تراثنا الشعبي يصوّر لنا ضحالة وخسارة الفساد الفكري وهو قولهم لمن يخطئ في تفكيره وتقديره “لا تقس البيض على الباذنجان” وحكاية هذا المثل هي أنه

ذهب رجل لشراء باذنجان من السوق وطلب من صاحب المحل أن يرسل الباذنجان إلى بيته، و عندما عاد الرجل إلى بيته لم يجد الباذنجان، فذهب إلى السوق فأخبره صاحب المحل أنه أرسل أجيره فلم يجد أحد في البيت وعاد بالباذنجان، فقال له الرجل أن في باب البيت فتحة كان يمكن للأجير أن يسقط منها الباذنجان لداخل البيت، وأخذ الرجل الباذنجان وعاد إلى بيته.

وفى اليوم التالي ذهب الرجل لنفس المحل واشترى بيضاً وطلب من صاحب المحل أن يوصلهم إلى البيت. وعندما رجع الرجل إلى بيته وجد البيض ملقى على الأرض خلف فتحة الباب، ولم يجد أي بيضة سليمة، وعندما أخبر صاحب المحل بذلك قال له أن الأجير صحح خطأه السابق عندما عاد بالباذنجان…فقال له الرجل…لا تقيس البيض على الباذنجان. وذهب هذا القول مثلاً بين الناس يُعبّر عن الفهم الخاطئ والقياس الفاسد وعاقبته.