د.سعد بساطة
أحد التعاريف الهامة للإنسان؛ أنه “كائن اجتماعي”، وهذا يعني أنه مهتم بالتواصل مع غيره.
لكن قبل ثورة الاتصالات: (فيسبوك_واتسآب_مسنجير_تيليجرام_ إيمو_ تيك توك. وغيرها من عشرات التطبيقات المختلفة)!
نتساءل كيف كان التواصل!؟
حفزني لبحث الموضوع كون انه تم مؤخراً في السويد إزالة معظم صناديق البريد من الشوارع بعد أن حلّ البريد الإلكتروني (الإيميل) محل الرسائل الورقية بشكل كامل تقريبا. وحلّ (الإنترنت)، كوسيلة نقل لهذا البريد الإلكتروني، محلّ وسائل النقل التقليدية.
قبل ذلك لم يعدم البشر حيلة في اختراع وسائل غريبة لإيصال رسائلهم العجيبة:
ولعل ابسطها كتابات للمحبوبة على جدران مباني حيها، وهنا المطربة وردة تكلّف رسولاً غير متوقع هو القمر لينقل رسالتها:
” روح قلّو يا قمر … فاكرنا ولّا ناسي”
وكلنا يذكر تلك الرسالة من الأمهات: ((بفرجيك بس نرجع للبيت))، ترافقها غالبا نظرة ثاقبة مع كز على الأسنان!
ولا ننسى القصة المأساوية للشاعر طرفة بن العبد وقد حمل بيده رسالة موته التي كتبها له عمرو بن هند ملك الحيرة وأرسله بها إلى واليه في البحرين موهماً إياه أنه سيكافئه، لكنّه دفنه حيّا كما ورد في الرسالة.
فيما مضى كان الهاتف آلة نادرة مترفة غير متوفرة في كل بيت، وغالب الأوقات الحرارة بها. الحل؟؟ ! الرساااائل…
وكان تبادلها يتم عبر البوسطة؛ ولم يكن هنالك ترف [رقم صندوق البريد].. فكنت ترى عناويناً ما أنزل الله بها من سلطان، كمثال:
” حارة الجب_ قبل الحنفية_ قرب الداية أم فتحي”!
وكان مرأي ساعي البريد( البوسطجي) بزيه الرسمي؛ ودراجته الأنيقة؛ ومحفظته المحشوة بألوف الرسائل يبعث البهجة في أفراد العيلة؛ منتظرين بجذل ما سيصلهم من البعيد!
هنالك فيلم مصري بحقبة الخمسينات بطولة شكري سرحان؛ اسمه البوسطجي.. وفيلم إيطالي حديث مشوق للغاية وبنفس العنوان(بوستينو)؛ ويتحدث عن علاقة إنسانية بين الشاعر نيرودا المنفي لإحدى الجزر الإيطالية المنسية؛ وبين من عينته إدارة البريد هناك ليستلم بريد الشاعر المناضل (ألوف الرسائل يومياً من شتى أصقاع الأرض) وينقلها له!
يقال إن احد المحبين بات يرسل عشرات الرسائل من بلد غربته إلى محبوبته؛ ولما عاد للديار: فوجئ بأنها قد تزوجت من… ساعي البريد!
وهنالك اغنية قديمة عذبة لكارم محمود؛ يتغزل بالحبيب ويعدها برسائل مكتوبة على: ورق الورد.
وما فتئ كتاب الحقبة الرومنسية بالقرن الماضي يعرضون محتوى رسائل العشاق؛ وحفظها تحت الوسادة.
مع الرسائل انتشرت لوازمها: كتب إنشاء الرسالة؛ دفاتر وكراريس بورق ذي ألوان محببة؛ مغلفات مختلفة الشكل والحجم؛ وهنا لم تقصر إدارات البريد بتأمين طوابع منوعة كأجرة للرسالة (تخلد المناسبات المختلفة من اجتماعية ووطنية).
وها هي “رجاء عبدو” تتحدث بلسان ساعي البريد قائلة” (البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلك)!
وهنا نشأ فرع في الأدب جديد يعرض الرسائل المتبادلة بين غسان كنفاني وغادة السمان؛ مي زيادة وجبران؛ كافكا وخطيبته المجهولة!
ولا يقصر الفن الأميركي في هذا المضمار؛ نذكر الأغنية الشهيرة للملك: الفيس بريستلي (يعاد للمرسل_ لا يوجد هذا العنوان_ لبيس هنالك هكذا رقم؛ Return to sender..wrong addresse, no such number)
في الخاتم؛ نذكر مقولة القدماء (باستشفاف الموضوع بالفراسة) لدى قولهم: “المكتوب مبين من عنوانو”!
ـــــــــــــــــ
تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب
https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t
»»»»»
قناتنا على التلغرام: