بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
إلى قِيـمٍ مَهمــــا ابتعدتَ تَعــــودُ
إذا كــــان إيمانُ القلوبِ يَســــودُ
وَمَهما تُشاغلكَ المَساعي فَكُنْ لَها
عَلى حَـذرٍ إنَّ الخِصالَ شُـــــهودُ
يعيش الإنسان في هذه الحياة متقلباً في شؤونه ساعياً لنيل مآربه، مُنشغلاً بدنياه؛ بيد أنه تكمن في أعماقه مواقف مهمة تكوّن لديه قواعد أساسيةً وقيماً راقية لا يمكنه التغافل أو التخلي عنها في زحمة المشاغل والمتاعب؛ ويبقى وفياً لها مهما تقادم العهد وتباعد الزمان.
وكمثال على ذلك تحضرني حادثة في السيرة النبوية تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، عندما دخلون إلى وادي حنين، فاجأهم كمين نصبه المشركين لهم حيث انهالت عليهم السهام والرماح من كل جانب، فارتبك جيش المسلمين وحاولوا الانتقال إلى مكانٍ أكثر أمانا، وثبتت فئة قليلة على رأسهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، مقابل الألاف من جيش العدو كلهم يستهدفونه صلى الله عليه وسلم.
عندئذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لعمه العباس ” نادِ يا أصحاب السَّمُرة”. قال العباس: “وكنتُ رجلاً صَيّتًا فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرة؟ قال: فوالله لَكَأنّ عَطْفَتَهم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادهم فقالوا: يا لبّيْكَ يا لبّيْك”.
والسَّمُرة هي الشجرة التي بايع تحتها الصحب الكرام نبيهم على الثبات وعدم الفرار وذلك عند الحديبية، كما نقرأ قوله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الآية: ١٨]
وبمجرد أن سمع الصحابة النداء، عادوا إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلوا وثبتوا حتى كان النصر العظيم في حنين.
وإذا نظرنا إلى سرعة استجابة أصحاب بيعة الرضوان لهذا النداء، في ذلك الظرف الذي يذهل الإنسان فيه عن كل شئ، سندرك عظيم الإيمان الذي وقر في قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم لدرجة التحول الجذري في التصرف من إيثار النفسِ ونجاتها إلى التضحية بها.
كيف أن البوصلة الفكرية انقلبت؛ والوجهة النفسية اختلفت والمعاني الروحية برزت؛ بمجرد سماعهم لذلك النداء.
لقد أوردت هذا الخبر لأسأل كل ذي عقل عن النداء الذي إن سمعه وهو في أوج خوفه أو في قمّة انشغاله بشؤون حياته؛ يلبيه.
ما هو النداء الذي يلفته عن كل الخوف والانشغال ويعيده إلى العهد الإيماني ويرده إلى التضحية في سبيل مبدأه وعقيدته.
ما هي الصرخة التي تزكي شعلة الإيمان في القلوب وتجعل المرء يُقدّم التضحيات بسببها؟
ما هي العبارة التي تضاهي تلك العبارة ” يا أصحاب السمرة” عند الإنسان ليصحو من سكرته ويتنبه من غفلته ويبتعد عن أنانيته؟
أي الكلمات تُعيدُنا إلى أنفسنا أي النداءات تلفتنا إلى منابعنا الصافية.
نحن في هذه الظروف العصيبة التي نحيا بها بأمس الحاجة لنتعرف على ذلك النداء لننادي بعضنا به. لنكون يداً واحدة ضد تلك المؤامرات الشيطانية التي تحيط بنا.