الأمل موجود دائماً

بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة

 

ســعياً إلى النور والخيرات قابعـةٌ

تأتي بُعيدَ ظلالِ الشَّــر إذ حَـسَــرا

نُـجـاوز المِـحَنَ العميـاءَ فـي ثِـقـةٍ

فالنصرُ يُهدى لمن قد جاوز الكدرا

 

تُعلّمنا الحياة أن المِحن، مهما كانت قسوتها، ستحمل خلفها منحًا لم نكن لندركها لولا تلك اللحظات الصعبة.

وقد يتساءل البعض كيف يمكن لشيء مؤلم أن يحمل شيئًا إيجابيًا؟ والحقيقة أن الحياة تخفي أكبر المكافآت خلف أصعب التحديات.

فالشجرة التي تقاوم الرياح العاتية؛ قد تكسر أغصانها، لكن الجذور تصبح أكثر عمقًا وثباتًا في الأرض.

وكذلك نحن، – وأعني بنحن الضمير الجمعي لأمتنا العظيمة الشريفة – عندما نمر بمحنة، قد نشعر في البداية بالانكسار، لكننا نصبح أكثر عمقًا وثباتًا، ونكتسب رؤية أعمق للحياة. المحن تجبرنا على إعادة تقييم مسارنا، وتجعلنا نبحث عن مسارات جديدة لم نكن نعتقد بوجودها. قد تقودنا الظروف القاسية إلى اكتشاف قدرات لم نكن نعلم أننا نمتلكها، أو تدفعنا نحو أهداف جديدة تُلهمنا. وهذه النظرة التفاؤلية المشرقة هي التي تهوّن الصعاب.

ولعل هذا ما أمرنا كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ” رواه ابن ماجه في “سننه”.

إذا تأملنا في عمق الحياة، سنجد أن مفهوم “الشر المطلق” قد يكون وهمًا، إذ أن ما نراه من ألم وصعوبات يمكن أن يكون في جوهره جزءًا من عملية تحوّل أعمق وأكبر. قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: ٢١٦].

لا يوجد في الحياة تجربة تمرّ علينا دون أن تحمل في طياتها درسًا، أو تبعث لنا برسالة، أو تقدم لنا فرصة لم نكن لنكتشفها لولا تلك اللحظة القاسية. هذه الفكرة تتحدى نظرتنا التقليدية للشر، وتدفعنا للتأمل في الأبعاد الأعمق للتجارب السلبية التي نمر بها.

إننا عندما نواجه لحظات الألم، نشعر بأن العالم قد أظلم، وأن الحياة توقفت. هذه اللحظات تجعلنا نتساءل: “لماذا حدث هذا؟”، “هل هناك فائدة من هذا الألم؟”. إلا أن هذه التساؤلات لا تلبث أن تتبدد عندما نحاول أن نتلمّس الحكمة الإلهية وندرك أن الألم، في جوهره، ليس إلا معلمًا صامتًا. فمن خلاله نتعلم الصبر، ونكتشف في داخلنا قوة خفية لم نكن نعلم بوجودها. تلك القوة تظهر عندما نتجاوز الألم ونكتشف أننا أقوى مما كنا نظن، وأن بداخلنا طاقة لمقاومة الصعوبات تفوق توقعاتنا وتوقعات عدوّنا أيضاً.

الحياة التي نعيشها، كالطبيعة من حولنا، تسير وفق دورات لا تتوقف عند فصل معين. الشتاء القارس لا يمنع قدوم الربيع المشرق، وكما أن الحياة لا تبقى دائمًا في ظلال الحزن، فإنها تحمل دائمًا إمكانيات التجدد والنمو. الألم يمكن تشبيهه بليلة مظلمة، لكن الفجر حتمًا سيأتي، حاملاً معه ضوءًا جديدًا. هذه الدورة تذكّرنا بأن الألم ليس إلا محطة مؤقتة، وأنه في كثير من الأحيان يكون بداية لرحلة نحو أفق جديد. قال تعالى: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [سورة آل عمران: ١٤٠].

إن التفاؤل ليس تجاهلاً للواقع المؤلم، بل هو القدرة على رؤية ما وراء الألم، والمحنة اهي خطوة نحو اكتشاف عمقنا الداخلي، وكل تجربة صعبة تقربنا من فهم أفضل لمعنى الحياة. لولا تلك اللحظات القاسية، لما شعرنا بحلاوة الفرح، ولما قدرنا قيمة الأشياء الجميلة.

تلك هي حكمة الحياة؛ أن نؤمن أن الله سبحانه جعل في الألم  بذور الشفاء، وأننا قادرون دائمًا على العثور خلف الظلام على النور.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار