تأملات في فصل الخريف

بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
خريفٌ مرَّ في الأعمارِ فصلًا
غريبٌ أنتَ يا تشرينَ شكلًا
وفيكَ الخيرُ يومضُ من بعيدٍ
وفيكَ الموتُ والميلادُ يُتلى
ها هو فصل الخريف يشارف على الانتهاء، بظلاله المتغيرة وألوانه المتبدلة،
الفصل الذي يعتبر مرحلة انتقالية تثير الكثير من المشاعر والتأملات. ويرمز إلى التبدل.
إنه يحمل حقائبه لينصرف وقد نفضت فيه الطبيعة أوراقها القديمة استعدادًا لشتاء خيرٍ قادم،
 ومع أن البعض قد ينظر إليه نظرة حزينة، إلا أنَّ عمقه يكشف عن جماليات الحياة وتناقضاتها.
وفي تأمل للأحاديث النبوية الشريفة نجدها تختار كلمة “الخريف” لتدل على السنة أو العام كقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) رواه مسلم.
ولاختيار هذا الفصل دوناً عن فصول السنة الأخرى إشارة وملمح مهم يبدأ من معرفة معنى كلمة “خريف” إذ هو الفصل الذي يقع بين الصيف والشتاءِ ويمتد ثلاثة أشهرٍ، ويتصف طقسه بالبرودة واليبوسة، وإنما قيل لهُ الخريف لأن الثمار تُخترَف فيهِ. أي تُجنى. ومعلوم أن العرب قديماً كانوا يحسبون السنة بحلول فصل جَني الثمار، والحول عندهم يحول عندما يعود موسم جني الثمار، ومن هنا نقف على سبب اختيار الخريف دون فصول السنة الأخرى فهو يُشير إلى مرور العام كاملاً.
الخريف ليس مجرد فصل زمني، بل هو رمز للتحول والنضج الروحي.
قد يراه البعض مرحلة تتلاشى فيها الأشياء الجميلة، بيد أنه يحمل في طياته حكمة التجدد والاستعداد لمستقبل أفضل.
يعلمنا ربنا من خلال فصل الخريف أن التغير هو جزء طبيعي من الحياة، وأن السقوط أحياناً لا يعني النهاية، بل هو بداية لمرحلة أكثر إشراقاً.
إن تأمل الخريف يجعلنا ندرك أن جمال الحياة يكمن في تقبل كل فصولها، مهما كانت متناقضة.
الخريف مرحلة تكشف فيها الطبيعة عن حقيقتها؛ تمامًا كما تُظهر لنا الحياة حقائقها في “خريف العمر”.
 يشير تساقط الأوراق إلى مرور الزمن وفقدان ما كان يميزها من نضارة، ولكن في الوقت ذاته، تبقى بعض الأوراق معلقة بقوة، تمامًا كما يتمسك البعض بجذورهم وأصولهم.
 إن الخريف يعكس فلسفة الاستمرار والتغير، فهو جزء من دورة الحياة حيث لا يمكن للشتاء أن يأتي دون أن يسبقه الخريف.
وتجسد ألوان الخريف المختلفة تحولًا جمالياً في الطبيعة؛ فاللون الأصفر والذهبي للأوراق يحمل في طياته رمزية الحنين والذكريات، ومع كل ورقة شجرٍ تتساقط، نجد أنفسنا نعيد حساباتنا، نتأمل في الماضي ونستعد لمستقبل جديد.
 الخريف يضفي لمسة من الهدوء على العالم، فتتغير أنفاس الطبيعة وكأنها تستعد لاستقبال ولادة جديدة.
 هو فرصة للتجديد، فرصة لإعادة اكتشاف الذات ومراجعة الأولويات. إنه زمن التأمل، حيث يمكن للإنسان أن يستوعب أن النهايات ما هي إلا بدايات جديدة.
كل ورقة تسقط في الخريف تحملُ وعداً إلهياً بربيعٍ قادم، وكل تغير يحدث في الخريف هو تذكير بأن الطبيعة لا تعرف الجمود، وأن الحياة تستمر مهما تغيرت الظروف.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار