بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة
المبدعون كنبض القلبِ في الوطنِ
صاغـوا حياةً بما يحيون من زمنِ
ســــــاروا بأيامهم نحو العلا قُدُماً
أكرم بهم موكبـاً جاؤوا من القِدَمِ
يُعتَبر الإبداع جَوهر الحضارات ومحرك التقدم الإنساني، فهو تجسيد للعقل المتميز والرؤية العميقة التي تتجاوز السطح إلى جوهر الأشياء.
والمبدعون في كافة المجالات هم المرآة التي تعكس نبض الحياة وتفاصيل الوجود، فهم الذين يلتقطون ملامح المكان والزمان والإنسان فيحولونها إلى أعمال أدبية وفنّية وعلمية تشكل رصيداً غنياً للأمم.
ورغم أهمية دور أصحاب الإبداع، فإن واقعهم في كثير من المجتمعات يقف أمام عوائق مُحبِطة.
المبدعون هم ثروة إنسانية وقوة محركة للتطور الثقافي والحضاري، فهم الذين يسجلون نبض الحياة وحركتها، ويرسمون ملامح الزمن والمكان عبر أعمالهم. إلا أن هذه الطاقات المتميزة تحتاج إلى من يحتضنها ويشجعها، إذ لا يمكن للإبداع أن يزدهر دون بيئة داعمة توفر للمبدعين الأدوات اللازمة لتحقيق طموحاتهم، سواء من خلال الدعم المادي أو التقدير المعنوي.
في الدول المُتَقَدّمة، يُنظر إلى المبدعين كثروة ثقافية وقومية لا تقل أهمية عن الثروات المادية. تلك الدول توفر لهم منصات للظهور، ومساحات للإبداع، وتُولي الفنون والثقافة اهتماماً خاصاً، إدراكاً منها أن الإبداع هو دليل على رقي الشعوب وتطورها الحضاري.
وعلى النقيض من ذلك، نجد أن المجتمعات التي تطغى عليها القيم الاستهلاكية قد أهملت الجانب الثقافي والإبداعي. فقد تراجع الاهتمام بالفنون والآداب لصالح أنماط حياتية تركز على الاستهلاك المادي دون الالتفات إلى قيمة الفنون كعنصر أساسي في تشكيل الوعي الإنساني.
المبدعون يحتاجون إلى اهتمام مستحق، وإلى اعتراف حقيقي بأعمالهم ودورها في إثراء المجتمع.
فالاهتمام بالإبداع ليس رفاهية، بل هو استثمار في الهوية الوطنية وفي نهضة المجتمع بأسره.
وللنهوض بهذا الجانب العظيم لا بد للمجتمعات أن تهيئ بيئة داعمة ومُحفّزة لأصحاب الفكر المبدع من خلال عدة نقاط منها:
١_الدعم المادي والمعنوي: تخصيص موارد مالية كافية وتمكينهم من العمل بحرية وإبداع.
٢_التقدير والاحتفاء: تكريمهم والاعتراف بإنجازاتهم باعتبارها أصولًا ثقافية وطنية.
٣_التثقيف العام: رفع وعي المجتمع بأهمية الإبداع كعامل أساسي في تشكيل الهوية والنهضة.
إن الإبداع هو نبض الأمم وروحها المتجددة، والمبدعون هم صناع الأمل وحملة مشاعل التنوير. لتحقيق نهضة حقيقية، ورغم كل الأزمات والعوائق فإن الأمل باقٍ في استمرار مسيرة الخلق والإبداع في وطننا العظيم سورية.
الوطن الذي رصّع صفحات تاريخه بالإبداع والمبدعين حتى في زمن الحروب والأزمات فمثلاً في مملكة أوغاريت (رأس شمرا)، التي شهدت حروبًا وتهديدات من قوى كبرى كالمصريين والحثيين. كان الدعم الشعبي والرسمي للمبدعين الذين تمكنوا من تطوير أول أبجدية في العالم لتسهم في نهضة الإنسانية لآلاف السنين.
وكذلك كانت سائر المدن والممالك السورية من حلب إلى تدمر إلى دمشق تحفل بالإبداع وأهله رغم ما يعتريها من أزمات، إدراكاً منها أن دعم المبدعين ليس رفاهية اجتماعية أو ترفاً حضارياً، بل هو وسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز مكانة المجتمع وسط تحديات العصر.
إنه لا بد من إعادة الاعتبار للثقافة والفنون، ودعم المبدعين من خلال التشجيع المادي والمعنوي. إن الاحتفاء بالمبدعين وتقدير إسهاماتهم هو جزء أساسي من مسؤوليتنا تجاه بناء مجتمع مستنير يعترف بقيمة الإبداع كعنصر محوري في تحقيق التنمية والتقدم.