كـــــــانوا هنـــــــا

بقلم عبـــــد الخـــــالق قلعـــــه جي

وقتاً ممتعاً نرجوه.. حسبكم أن تبقوا معنا.. ليست لأصبوحة – دعوتنا هذه – ولا لأمسية.. لاهي لمحاضرة ولا لندوة أو حفلة أو مهرجان.. هي رحلة – فضلاً – أن تقرروا المشاركة، فالبرنامج مغرٍ متنوع وحافل.

لا تتحسسوا جيوبكم فالتكاليف من رسوم وضرائب بكل أشكالها، حتى الرفاهي منها مدفوعة.. ولكم أن تكونوا مطمئني البال فالذمة بريئة والدعوة خاصة عامة.

اربطوا الأحزمة.. سنهبط في رومـ 00ــا…. – نستعيرها – ونستحضر القدير حسني البورظان ” نهاد قلعي ” في مسرحية غربة.. العبارة هذه ربما تنقلنا إلى الدكتور محمد توفيق البجيرمي وبرنامجه الأسبوعي ” طرائف من العالم ” الذي كان التلفزيون العربي السوري يبثه على القناة الأولى كل خميس.

لا عليكم، فالمائدة مفتوحة والأطباق شهية والسفينة – إن شئتم – فيها الكثير من متعة ” سفينة الحب ” المسلسل الأجنبي في تلك الأيام، وأشياء وأشياء من ” التايتانك ” وفيها عروس ” جبران “.. في كهفها المسحور وقد هجعت سكرى، وفيها مليك الجن ان مرَّ يروح، والهوى يثنيه، فهو مثلي عاشق.. كيف يبوح، بالذي يضنيه.

صالة الانتظار وسع المدى.. شاشات كبيرة تتولى الإعلان مرئياً عن الوجهة والمواعيد، وصوت عذب يغازل الأرجاء.. ينثرها.. كأني بها مطارح شوق ومواعيد غرام وأنا فيها حائر.. أيها المحطة الأولى، وأي بيت أولاً سيكون.. بيت بيكاسو.. شكسبير.. تولستوي.. بيتهوفن.. شوقي.. جبران وبيت الجواهري وبيوت بالانتظار.. آن لها أن تسمى.

لابد أنكم ستأخذون بيدي وتلتمسون – في حيرتي – لي عذراً.. ففي تلك البيوت: ثلاث نساء.. روميو وجوليت.. أنّا كارنينا.. القدر السيمفوني يقرع بابه، ولغة الكلام تعطلت في كرمة العشاق.

في ديوانه الكبير ” الشوقيات ” جمع أمير الشعراء أحمد شوقي أشعاره التي غنت بعضها كوكب الشرق أم كلثوم: سلو قلبي.. سلو كؤوس الطلا ونهج البردة، كما غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب عدداً غير قليل من قصائده منها.. رُدَّت الروح.. يا جارة الوادي ومضناك جفاه مرقده.

ليس على محركات البحث فقط، تستطيع الوصول إلى ” الشوقيات ” وإلى أعماله المسرحية والروائية، إنما تستطيع ذلك أيضاً إن زرت معنا بيت ” أمير الشعراء ” بمصر الذي أصبح متحفاً يعرض كل مؤلفاته وصوره ومخطوطاته ومحطات حياته الإبداعية أمام زائريه.

ليس بعيداً عنه.. بيت جبران خليل جبران صاحب: النبي.. الأجنحة المتكسرة.. وصاحب قصيدة قبس بدا و ” أعطني الناي وغني ” و “سكن الليل ” التي غنتها الكبيرة فيروز.. بيت جبران خليل جبران بلبنان تحول هو الآخر إلى متحف يضم كل أعماله وما يتصل بسيرة حياته الشخصية والابداعية.

متحفان لشوقي وجبران وثالث لصاحب ” شممت تُرْبَك “.. محمد مهدي الجواهري، ومتاحف لكتاب وشعراء وفلاسفة ورسامين وموسيقيين وأعلام ومشاهير – أتينا على ذكر بعضهم – تقوم في كثير من مدن العالم شواهد حضارة ورقي وإبداع غدت قبلة ومقصداً ومَعْلماً يؤمه الجميع من شتى الأنحاء وفي ذلك كثير من معان وكثير من رسائل.

ذات سنين غير بعيدة كاد ” بيت للمتنبي ” أن يرى النور بحلب.. قصدنا والسبيل.. مشروع عملت عليه جمعية العاديات التي كان يشرف عليها الأديب الباحث محمد قجة.. ولأسباب كثيرة تبدد ذلك النور.

مبدعون في وطني منذ مئات السنين وآخرون من الراحلين المعاصرين يستحقون أن يخلدوا رموزاً وأعلاماً وأن تتخذ من بيوتهم متاحف باسمهم منارات حاضر وقبسات نور وأمان لمستقبل ننشده وأجيال.

نمني النفس بأن يقوم ذات يوم قريب، بيت للشاعر الكبير عمر أبو ريشة.. للشيخ عمر البطش..  لفاتح المدرس.. لعمر أبو ريشة.. لوليد اخلاصي.. لصباح فخري.. لعمر حجو.. لغيره ولغيره.. ولعلامة حلب خير الدين الأسدي وعسانا نجد لَحْده أولاً..

نمني النفس ولنا في المحبين الغيارى أمل.. أضعفه وأقله.. متحف واحد ..طيف متحف.. كيفما شئتم.. يضم أولئك العظماء ما أمكن.. لنلتفت ولو متأخرين إلى إدراك قيمة الذاكرة وأهميتها في صون أمانة التاريخ والوفاء له والبناء عليه.. جسراً متيناً يعبر بنا بقوة إلى غد يليق بهذا الوطـ — ـن وأبنائه ومبدعيه… رسالة نرفعها إلى الجميع.. إلى كل من يهمه الأمر تقول: إن بيتاً أو لحداً كان ذات يوم هنا.. ينادي أن نلحق بالنسيان قبل أن يطويه ويطوينا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار