بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
تَمَسّــك إن ظفرت بطرف حُر
فـإنَّ الـحُـرّ في الدنيـا قـليلُ
إذا كان الفتى ضخم المعالي
فليس يضره الجسم النحيلُ
في خضم هذه الحياة المتقلبة، تبرز العلاقات الإنسانية الطيبة كركيزة أساسية تمنح الحياة معناها، وتجعلنا قادرين على المضي قدماً رغم كل التحديات. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يحتاج إلى الآخرين ليشعر بالأمان والاستقرار، وليجد فيهم العون الذي يمكنه من التحليق بثقة فوق غيوم المخاوف والعواصف.
إن بناء علاقات قائمة على المحبة والثقة ليس خيارًا فحسب، بل هو من أبرز مساعي الإنسان في رحلته عبر هذا الكون. لذلك نقرأ في كتاب الله تعالى وصيةً عظيمة {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}[سورة التوبة:١١٩].
إن العلاقات الإنسانية تشكل شبكة دعم قوية، تُساند الشخص في أوقات الأزمات وتُطمئنه بأنه ليس وحيدًا في مواجهة تقلبات الحياة. عندما تكون العلاقة قائمة على الثقة المتبادلة، تتحول إلى مصدر طاقة إيجابية، تدفع الإنسان للاستمرار وتعطيه القدرة على مواجهة أصعب اللحظات.
ولعل ما يُرسخ هذا المعنى حكاية تقول إنه كانت طائرة تشق طريقها عبر السماء، متمايلة بين الغيوم الكثيفة. فجأة، اضطربت الطائرة وبدأت تفقد توازنها، ليعم القلق والخوف بين الركاب. وكان في أحد مقاعد الطائرة رجل يجلس بجوار طفلٍ صغير. بدا الرجل في غاية التوتر، وعلى النقيض تمامًا، كان الطفل بجانبه غارقًا في اللعب، هادئًا وكأن شيئًا لا يحدث. استمر هذا التباين حتى هبطت الطائرة بسلام. لم يستطع الرجل كبح فضوله، فسأل الطفل: “كيف تمكنت من البقاء بهذا الهدوء بينما كنا جميعًا غارقين في الخوف والذعر؟” ردّ الطفل ببراءة: “أبي هو الطيار، وقد أخبرني قبل الإقلاع أنه سيهبط بي بسلام.”
إن هذه الحياة، بطبيعتها، مليئة بالتحديات والاضطرابات التي قد تضع الإنسان أمام اختبارات صعبة. في مجتمعاتنا اليوم، نواجه جميعًا ضغوطًا متعددة؛ اقتصادية، واجتماعية، ونفسية. هذه الضغوط قد تجعل البعض يشعر وكأنه على حافة الانهيار. لكن عندما يجد الإنسان شخصًا يثق به، ويقدم له العون، يصبح ذلك الشخص طوق النجاة الذي ينقذه من دوامة القلق والوحدة.
وفي المقابل، يمكن أن نكون نحن ذلك الشخص الذي يضيء حياة الآخرين، من خلال دعمهم، واحترامهم، وغرس بذور الثقة في قلوبهم. أن يكون المرء مصدرًا للطمأنينة للآخرين هو نوع من العطاء الذي يترك أثرًا إيجابيًا دائمًا، ليس فقط على من حوله، بل أيضًا على نفسه.
لا يمكن التقليل من أهمية هذه العلاقات في حياتنا. فالثقة والمحبة تصنع جسورًا متينة بين القلوب، وتجعل الحياة تبدو أقل قسوة، وأكثر دفئًا. لذا، علينا أن نستثمر في بناء هذه الروابط وتقويتها، لأنها في النهاية تمنحنا شعورًا بالانتماء وتُضفي على حياتنا طعماً ومعنى لا يُمكن تعويضه.
في عالم مليء بالمخاوف والاضطرابات، تصبح العلاقات الطيبة بمثابة أجنحة تساعدنا على التحليق فوق أزمات الحياة بأمان، وتمنحنا قوة الاستمرار. فلنحرص على أن نكون جزءًا من هذا الأمان، نمنحه ونستقبله، لأننا جميعًا بحاجة إلى هذا النور في طريقنا المليء بالتحديات.