حلب-المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي الجمهورية
دخلت إلى العزاء في قاعة استقبال الكنيسة، كان أقرباء وأصدقاء الميت والمعزين الآخرين متواجدين ويتكلم كل واحد مع الجالسين بجانبه.
جلست بعد أن قدمت التعازي، وأنا أجول بناظري بين الموجودين، وأنا أحاول أن أتذكر متى كانت آخر مرة شاهدت فيها المرحوم.
في الأشهر الأولى من الأزمة، التقيته ودردشنا سوية قليلاً، ثم غاب عن ناظري ولم أعد أصدفه حتى سمعت أنه سافر والتجأ الى إحدى دول أوروبا، ومضت أشهر ولم تمض أكثر من سنتين حتى سمعت أنه توفي .
ذهب الكثير من الناس الى بلدان اللجوء، وليس الاغتراب، لأنهم رحلوا هرباً وخوفاً ومنهم من ذهب غيرة ممن ذهبوا قبله.
تشتتنا جميعاً وتوزعنا جميعاً من خلال اللجوء إلى بلدان أعطتهم الأمان وأخذت منهم الإنسانية.
أعطتهم المستقبل بشرط نسيان ماضيهم المشرق.
أعطتهم السنوات الباقية وسرقت منهم سنوات طفولتهم وشبابهم.
الذين بقوا والذين غادروا جمعهم الموت.
شريط ذكريات الماضي كان يمر أمام عيني، من طفولتي ومدرستي ورفاق طفولتي، وأرصفة طالما لعبنا عليها، وأزقة تسكعنا بها ليلاً.
سنموت جميعنا، وسيأتون للتعزية، سيأتي من بقي في سورية – ولم يغادر – للعزاء فينا.
سيقدمون التعازي لأقربائنا الذين بقوا ولم يغادروا.
من منا بقيت عائلته كاملة ولم تتفتت كما الزجاج يتشظى؟
أعرف عائلات توزع أبناؤها في بلدان اللجوء.
أعرف أمهات يبكين بحرقة غياب الأهل والأبناء.
يبكين بدلاً من الآباء الذين يبكون في دواخلهم.
ورقة نعي تشير إلى موت من نحب في بلدان بعيدة، وفقط نقيم لهم قداس وتعزية.
أصبحنا لا نعرف في أي أرض نموت ومن هو سيقوم بتعزيتنا في بلداننا.
حاراتنا ستحزن علينا، أرصفتنا ستحزن، أشجار شوارعنا ستنحني حداداً، سماء سورية ستبكي.
اللهم اشهد اني بلغت