الفساد.. خيانة مركبة

حلب – الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
ولا خيراً يعود على حياةٍ …
إذا عاثَ الفساد بكلّ وادي
فيلجمُ كل منتقدٍ بصيرٍ…
ويعلي شأن أربابِ الفسادِ
كيف يمكن للفساد أن يصبح خيانة؟
وهل الخيانة نتيجة حتمية للفساد؟
لا بد أولاً أن نبيّن المراد من معنى الخيانة والتي هي ضد الأمانة، وهي عادةً تُطلق كصفة على مواطن يعمل ضد وطنه لحساب جهةٍ خارجية، ترمي إلى الاضرار بالوطن؛ من حيث الهيمنة على قراراته أو الاستيلاء على مقدراته، وتكون تلك الخيانة مقابل مبالغ مادية لصالح ذلك الخائن.
أما الفساد فأمرهُ أشد وأسوأ، إذ إن الفاسد يترجم لنا بفعله كيان الخيانة بكل معانيها، وذلك أنه يخون وطنه ولكن من غير مقابل مجزي، فهو يُفسد مصالح وطنه بأقل القليل فهو يخون الوطن بقليلٍ من مال الوطن.
فالفسادُ هو الخيانة الأكثر إيذاءً وشراً إنّه خيانة مركبة.
إن الخيانة تموت بمجرّد انتهاء الحرب وهزيمة الأعداء ولكن الفساد يبقى ويورّث ويمكن أن يتطوّر ليستطيع دائماً الهروب من المسائلة والعقاب.
إن النقد البناء هو الذي يقلل من نسبة الخطأ والفساد لذلك نجده لدى الكثير من الشعوب التي سبقت في ميادين التطور والقوة، أما في بيئة الفساد إن قام أحد بنقد تصرف خاطئ لشخص ما، فعلى الفور يحاول ذلك الشخص أن يظهر محاسن الفساد لدى الرأي العام ويصبح ذلك المنتقد خائناً يسعى لشق الصف وزرع الفتنة.
هكذا تتروج ثقافة الفساد لدى العقول، عندما يتعامل الإنسان مع الآخر بطريقةٍ فوقيةٍ وقد تصوّر أنه أعلى من أي مسائلة، وتسوّل له نفسه أنه فوق القانون عندئذٍ يكون قد تبوّأ مكانه من الطغيان البشري والفساد المقيت.
وأما الأكثر فساداً فذلك الذي يصفق للمفسدين ويوجد المبررات لتصرفاتهم ويكون بوقاً إعلامياً للنشر والتعريف بمزايا الفساد والتي يحاول اقناع الناس أنه لا يمكن للمجتمع أن يحيى بدونها.
إن الإنسان الذي يحب وطنه ويحترم شعبه وتاريخ أمته لا يمكن أن يرضى بالفساد ولا
يتغاضى عن الفاسدين والمفسدين، ومن هنا نعلم أن مقاومة الفساد أكثر ضرورةً وأشد إلحاحاً من أي أمرٍ آخر، لأن تفشي الفساد هو نصر للأعداء يفوّتُ على وطننا وشعبنا لذة النصر الحقيقي لجيشنا في جبهات السلاح والنار.
إن شعباً قدّم سيلاً من التضحيات عبر سنوات الأزمة والمؤامرة الكونية ليحافظ على وجوده وهويته هو شعب حي لا يمكن أن يسكت عن الفساد ولا يليقُ به أن تُطلق يد الفاسدين في مصالحه، يتحكمون بالعباد والبلاد.
وختاماً أذكر حادثةً من تاريخ أمتنا حيث دخل حكيم يوماً على الخليفة العباسي المتوكل، فقال المتوكل له: كيف ترى قصري هذا ؟ قال: حَسنٌ لولا عَيبان…! قال: وما هما ؟ قال: إن انفقت فيه من المال الحلال فأنت مُسرِف، والله لا يحب المسرفين، وإِن أنفقت من المال الحرام فأنت خائن، والله لا يحب الخائنين.
سلاماً على كلِّ نظيف، لا يرضى أن يلوّث نفسه بالآثام تماماً كما لا يرضى أن يلوّث ثوبه بالأقذار.
سلاماً على كلِّ وفي، لا يخونُ الأمانة مهما تبرّجت له الخيانة وأغرته بلذائذها.
سلاماً على كلِّ خيّرٍ يسعى لمساعدةِ الآخر مهما كان وأنّى كان.
سلاماً على الصالحين، وطوبى للمصلحين في زمان الفساد والفاسدين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار