حلب ـ وفاء شربتجي
كنت متحمسة جداً لدخول دور السينما لحضور فيلم (دمشق حلب) بطولة فناننا القدير دريد لحام وباقة من ممثلينا الرائعين .
الفيلم من تأليف تليد الخطيب وإخراج باسل الخطيب، مشاعر وطنية جياشة انتابتني مع بداية عرض الفيلم الذي كنت أتوقع منه محاكاة الأزمة التي كانت تعيشها تلك المدينتين العريقتين .
البداية كانت لمشهد يصور رجلاً يريد أن يشنق نفسه لأن الحياة لم تعد تطاق بسبب الوحدة التي يعيشها وسفر أولاده وانشغالهم عنه.
يتدخل دريد لحام (عيسى) ليمنعه بمحبة ويصور له الحياة كطائر أمل يستذكر عيسى وحدته هو الآخر واشتياقه لابنته (كندا حنا) المتزوجة والتي تعيش مع أولادها في مدينة حلب التي تعاني وحدها ظروف الحرب .
لم يتراوح المشهد ليصور روعة العلاقات الاجتماعية الجميلة التي نعيشها نحن أبناء سورية وكيف أنه أي (عيسى) سيحل محل والد فتاة قريبته يتيمة في تزويجها (عقد قرانها) وهنا يأتي الانفجار الكبير الذي حل في القصر العدلي بدمشق وفاجعة وفاة العروسين .
يلعب القدر دوره في تأخر حضوره ونجاته من تلك الحادثة الأليمة فينكفئ مجدداً على وحدته الداخلية ويقرر السفر إلى مدينة حلب لرؤية ابنته ليأخذ الفيلم دوره في انتقاء الاسم دمشق حلب.
كانت أحداث الفيلم تدور داخل الحافلة التي تقل الركاب إلى مدينة حلب وتمضي بنا الحبكة الدرامية وفق شخوص لم تكن على قدر من الواقعية الغنية بالمصاعب والألم واقتصرت على مجموعة لكل فرد منها همه الشخصي .
مشهد آخر
امرأة كانت هاربة مع ولدها الصغير من بطش زوجها الذي كان يعمل مهرباً، يمر السرد بنا سريعاً إلى أن تنضم إليهم داخل الحافلة .
ومن بين الركاب أيضاً عروس حلبية برفقة عريسها قدمت إلى دمشق من أجل شراء فستان زفافها وفي طريق العودة إلى حلب تعطلت تلك الحافلة، نزل الجميع كي يتم إصلاحها فيقوم الركاب مجتمعين بزفتها على عريسها ومن ثم إيقاف حافلة صغيرة كي توصلهم بسرعة إلى حلب كيلا يتأخروا على ميعاد عرسهم، تلك السيارة أو الحافلة الصغيرة هي لجنود من جيشنا العربي السوري الذين لم يتوانوا في إيصالهم .
ولا ننكر أن الفيلم قد تناول لقطة جميلة في مساعدة شاب عسكري في الجيش ابنة دريد لحام التي هي في مدينة حلب وكيف أنه كان يزودها بالخبز أحياناً وبالمحروقات للتدفئة أحياناً أخرى .تلك كانت لقطات حقيقية موجودة على أرض الواقع .
نعود لنستكمل مجريات الفيلم التي جرت معظم أحداثها داخل الحافلة (الباص) فقد تعارف كلاً من دريد لحام وصباح الجزائري وتبادل كلاً منهما الحديث كما أسلفت حين تعطل الباص، اضطروا جميعهم للنزول والانتظار أي بعد وداعهم للعروسين.
حاكته مشاعره (عيسى) نحو مشهد مذ كان طالباً في الجامعة وحبه لفتاة لم يستطع الزواج منها كون أن المكان الذي تعطلت فيه تلك الحافلة قريب من منزلها فاصطحب معه صديقة طريقه صباح الجزائري وذهبا إلى منزلها كي يراها ،ومن ثم عادا إلى الحافلة ليستكملوا الطريق بعد أن تم إصلاح الحافلة .
هنا لم أجد أي مبرر لتلك الزيارة .. غير مضيعة للوقت إذ أن هناك أمور قيمة أكثر لطرحها !.
ثم وصلوا إلى مدينة حلب وهنا توقعت أن الفيلم سوف يبدأ الآن لكن للأسف لم يكن المشهد كافياً كي يصور لنا الخراب والدمار الذي حلً بمدينتي أو حتى أن يمر التصوير الإخراجي على لقطة لقلعة حلب . بل مرً على مشهد مطعم مطل على القلعة مكان احتفال العروسين ليباركوا عرسهم .
وهنا لم أفهم لماذا أهملوا تصوير (قلعة حلب) العريقة وما يحيط بها من أبنية ودمار وعمار جديد كي يصوب على فكرة أن المدينة القديمة المتضررة ها هي تنهض من جديد كطائر الفينيق .. من بين الركام .. من بين الأحجار المترامية على الطرقات .. ولم يصوب على تلك المباني الأثرية الغافية على سفح الذكريات كونها عادت ترمم ذاتها وتستيقظ على عطر فلها وشبابيك غدها المشرع على الأمل ..
نعود لنصف المشهد الأخير للفيلم لحظة وصوله لمنزل ابنته المحاصر بالخراب والألغام .. يشير إليه عسكري من جيشنا إلى منزل ابنته (كندا حنا) بعد أن سأله عن المكان ليتوجه بدوره إليها .. لكن طريقه كلها محشوة بالألغام .. وابنته تنتظره على الطرف الآخر .. فيعبر بكل تأني وتروي كي لا تنفجر الألغام من تحت قدميه ليصل إلى حضن ابنته التي تنفجر هي بدورها في البكاء فرحة بسلامة والدها وشوقاً إليه ..
كان المشهد هنا مؤثراً جداً .. لكن حبذا لو كان من يخطو أول تلك الخطوات .. فرد من أفراد جيشنا .. وليس (دريد لحام) لأن هناك كمشاهدات واقعية وحقيقية رائعة مشابه لتلك اللقطة .. قام بها جيشنا بلا تردد .. وقد حملوا الأطفال والعجائز على أكتافهم واجتازوا الصعاب من أجل مساعدة أبناء بلدهم .. لينتهي هنا الفيلم وقت اعتقادي .. بدايته ..!!
أتساءل .. ماذا صور لنا هذا الفيلم من وقائع معيشية صعبة عشناها ..؟!
دمشق حلب .. لم تخدم فكرته الإخراجية ظروف الحرب .. ولم توثق الزمان أو حتى المكان .. ولم يكتمل كنص .. ولا كإخراج .. نجح باسم الفنان (دريد لحام) .. صحيح أنه أخذ صفة الحرب .. لكن لم يعايشها بالشكل الصحيح ولم يصوب على أهدافها .. رؤاها .. من زوايا عديدة .. لكن يكفيه أنه حاول أن يضيء على سنين الحرب العجاف ليصنف أنه عمل وطني بامتياز .. حاز على الجائزة الأولى .
دمشق حلب ..
طريق عز عبره جيشنا ببسالة .. وسيجه صمود انتصارنا .. وتبقى الدراما السورية خير من أضاء على تلك السنوات العجاف .. تلك الدراما التي نعتز بها .. بصناعتها .. ممثليها .. مخرجيها .. مؤلفيها ..
وتبقى السينما عرض خجول أمام ملامح عملاقة النصر والشموخ .. آملين بعرض آخر يسطر الملامح الحقيقية .. ما بين دمشق وحلب وباقي المدن السورية المنتصرة في القريب العاجل بإذن الله .