حلب ـ بيانكا ماضيّة
يغوصُ الشعبُ في حمأةِ وأتونِ متطلباتِ الحياةِ المعيشيّةِ، لاهثاً خلفَ رغيفِ الخبزِ، يقضي يومَه كلّه واقفاً في الطوابيرِ ليحصلَ على تلك المتطلبات، وأهمُّها أسطوانةُ الغازِ التي شكّل سوءُ إدارةِ توزيعِها إلى أزمةٍ كبيرةٍ، ليس في مدينةِ حلب وحسب، وإنما في المحافظاتِ الأخرى.
وكانت ردةُ فعلِ المواطنِ تجاهَ هذا الضغطِ والخنقِ والحصارِ، بأن أشارَ بأصابعِ الاتهامِ إلى الجهات المعنية التي لم تضع خططاً مسبقةً؛ لتفادي وقوعِ أيةِ أزمةٍ في هذا الشتاءِ القارسِ، وبإلقائه اللومَ على المخاتيرِ ولجانِ الأحياءِ ولجانِ الإشرافِ في مجالسِ المدنِ والمحافظات.
المسؤولون والمعنيّون في المحافظات ينفون وجودَ أزمةٍ في ملفاتِ التوزيع، ويؤكدون أن زيادةَ مخصّصاتِ المحافظاتِ من المادةِ المُسالة، وزيادةَ مصادرِ التغذيةِ بما يتعلّق بالتيار الكهربائي، ستُسهمُ في حلّ المشكلاتِ المتعلقةِ بالغازِ والمازوتِ والكهرباء، فيما تعلن وزارةُ النفطِ والثروة المعدنيّة رفعَ إنتاجِ أسطواناتِ الغازِ المنزلي إلى ما يفوق معدلِ الاستهلاكِ اليومي، بعدَ ورودِ نواقلِ الغازِ الجديدة، وتجاوزِ تعثّر العقودِ القديمة. ويعزو البعض ُسببَ الأزمة إلى الحصارِ الاقتصاديّ.
وعَلتِ الأصواتُ في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، مطالبةً بإيجادِ حلولٍ سريعةٍ ومقترحاتٍ جديدةٍ لحلِّ مشكلاتِ الكهرباءِ والغازِ والمازوت.
وبدورنا، نحنُ الإعلاميينَ، نقفُ عندَ تلك المشكلاتِ ونطرحُها في وسائلِ الإعلامِ المختلفة، ونحاول البحثَ عن أسبابِ الأزمةِ ومصدرِ افتعالِها، ونتواصل مع المواطنين الذين يلقون باللوم أولاً وأخيراً على المخاتيرِ واللجانِ لأنهم يرون بأمّ العين، الآليةَ غيرَ العادلةِ في التوزيعِ، والتلاعبَ بالجداول الاسميّة، والتعاونَ مع البعض و”سياراتٍ مفيّمة” تنالُ حصّتَها وحصةَ غيرِها..لتبقى الأسئلة: ما هي أسبابُ الأزمة؟! ومن هو مفتعلُها؟!.ولكن.. بما أن المسؤولينَ والمعنيينَ مطالبونَ بابتكار طرقٍ جديدةٍ ووسائلَ عديدةٍ للتخفيفِ من حدّة الأزمات، فإننا، نحن الشعبَ، مطالبون أيضاً بالتعاونِ معهم، ومساندتِهم، وبإدراكِ وفهمِ أن الحربَ لم تنتهِ بعدُ، وأن الحصارَ مازال قائماً.
هي مسألةُ وقتٍ إذن وتُحلّ الأزمة، بل الأزمات كلها، ألمْ يصبر الشعبُ أثناءَ الحربِ؟! فلمَ لا يصبرُ اليوم إذن؟! رغم أن حالَ الحربِ تختلف مئةً وثمانين درجةً عن حال اليوم.
ولا ننسى أن الناسَ كانت غارقةً في الظلامِ والبرد أثناء الحرب حتى آذانِها، ولم يكن هناك أيةُ وسيلةٍ للتدفئة، وعلى سبيلِ المثالِ صمد أهلُ حلب مدة ثلاثِ سنواتٍ بدون أيّ وسيلة تدفئة، كيف صمدوا حتى هذا اليوم، من صمد وقاوم في ذاك الشتاءِ القارسِ جداً، يستطيع أن يصمدَ في هذا الشتاء الأقل برداً منه! أم أن هناك من يحرّض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أصحاب الأيدي الخفيّة التي أجّجت الناسَ في بداية الحرب، ومازالت تؤجّجها، لماذا كانت الناسُ تُعمل فكرَها، وتفكر بالبدائلِ في أثناءِ الحربِ .
نطالبُ بإيجادِ الحلولِ للمشكلاتِ القائمة، بوعي، لا بهجومٍ مفتعلٍ موجّه. ما أقصدُه ألا نرتهنَ لمساعي تخريبٍ وهدمٍ ، مساعٍ همّها الأوحدُ تأليبُ من وقفَ وصمدَ مع دولتِه، وانتصر معها.. يكفي أن ندركَ حجمَ خسارةِ أعدائنا في هذا النصرِ، ولذلك فإن التفكيرَ الشيطانيَّ (الخارجيّ والداخليّ) لايفتأ يخططُ وينفّذُ عبر أجنداتٍ خارجيّةٍ يتواطأ مع أصحابِها ذوو النفوسِ الماكرة، لتعويضِ تلك الخسارةِ باهظةِ الثمنِ التي صعقتْهم بالنصرِ السوريّ! فلمَ نتصرّفُ وفقَ توجيهاتِه المقصودةِ والتي دفعت لأجلها ملايين الدولارات، بدونِ وعي، وننسى أننا في خندقٍ واحدٍ مع وطننِا في مراحلِ الحربِ كلَّها؟! وأختمُ مجدداً: (الحربُ لم تنتهِ بعدُ، والوطنُ لم يتعافَ من جراحِه كلِّها)!
قد يعجبك ايضا