حلب ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
المرأة هي الكيان الإنساني الرقيق الجميل؛ والحنون الراقي، كلما كبرت ازدادت قيمتها، وهي ابنة يهتمّ والديها بكل حركاتها وسكناته ثم شابة تُغمر بالتعامل الأرق، ثم أم يأتمر الأبناء بكلماتها، ومن تحت قدميها يشاهدون جنتهم، ثم جدة يجتمع حولها أولادها وأحفادها يقبلون رأسها، ويرون في برها عملاً من أعظم القرب إلى الله سبحانه وتعالى.
لقد كرّم الله سبحانه المرأة في الشريعة الإسلامية ورفع قدرها، وأعطاها حقوقها على أكمل وجه، وبوّأها منزلة عالية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير النساء في بعض الشؤون الهامة كاستشارته لأم سلمة في قضية صلح الحديبية، وكان من شروط المشركين ألا يدخل المسلمون في هذه المرة لزيارة الكعبة ويعودوا العام القادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصلح طلب رسول الله من المسلمين أن يتحللوا من عمرتهم فينحروا ويحلقوا؛ ولكن لم يقم أحد منهم وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم طلبه ثلاث مرات ولم يفعلوا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة مغتماً وذكر لها ما حدث من المسلمين فقالت رضي الله عنها: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحدا حتى تنحر بدنك (ذبيحتك) وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله وفعل بمشورتها فما كان من المسلمين إلا أن نحروا وحلق بعضهم لبعض، وبذلك تحقق المُراد.
ولا يمكن أن نفهم من قوله تعالى (الرجال قوّامون على النساء) أن النساء لا قيمة لهن بل إن كون القوامة بيد الرجل تجعل له شرف رعايتها، وإحاطتها بما يؤمن لها الحياة الكريمة والعناية، وليس له أن يتجاوز ذلك إلى القهر والجحود.
لقد احترم الإسلام شخصية المرأة، فجعلها مساوية للرجل في أهلية الوجوب والأداء، وحماها من العنف الجسدي فنجد في تشريعاته تحريم قتل المرأة في الحروب، وأنّ النبي عليه الصلاة والسلام غضب حين ضُربت امرأة في عهده.
أما حمايتها من العنف النفسي فقد جعل من مظاهر تكريمها عدم إيذاء مشاعرها، وحفظ كرامتها، وترك رميها بالعيوب، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت والعمة والخالة، إنها حياة المجتمع.
نعم لقد أمر الإسلام بكف الأذى عن المرأة، وإن صدر منها أذى وجهنا الشرعُ لاحتماله منها، والحلم عند غضبها، وحسن عشرتها، ومعاملتها بلطف، وفي ذلك كلّه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانت المرأة من أهم وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما في تلك الوصية الجامعة في خطبته في حجة الوداع حين قال : (استوصوا بالنساء خيراً) وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام : (النساء شقائق الرجال ما أكرمهنّ إلا كريم وما أهانهنّ إلا لئيم ).
ولم تقتصر حقوق المرأة في الإسلام على الحقوق المادية وإنّما تعدى ذلك إلى الحقوق النفسية والمعنوية، ولقد كتب الباحثون والعلماء الكثير من الكتب والأبحاث عن المرأة في الإسلام والتي أفاضت في بيان قدرها ومقامها ولا مجال للإطالة في هذه العجالة.
رقم العدد 15578