حلب ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة.
الكعبة المُشرّفة أول بيتٍ وضع للناس ليكون قبلتهم، إنها البناء الأكثر قدسيةً في صدور المسلمين وعقولهم، ولقد قرر الله تعالى حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 96-97] ثلاث نقاط أوضحها الباري عز وجل في هذه الآيات تخصّ الحرم :
الأولى: أن الكعبة أول بيت وضع للناس، أي جُعل لهم شعيرةً يتعبدون الله من خلالها.
الثانية: أن هذا البيت الذي وضعه الله للناس هو بيت مبارك قد جعل الله فيه من بركاته، يتبرّك به الناس ويعظّمونه.
الثالثة: أن هذا البيت هُدى للعالمين، أي أنه مصدر هداية ونور ومعرفة وعلم ليس للمسلمين فحسب بل لجميع العوالم والمخلوقات.
وفي آيةٍ ثانية قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[سورة البقرة: الآية 125 ]. فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، يحجون إليه، ويطوفون به وتهفوا قلوبهم إليه وتحن لزيارته.
وكانت الكعبة ولا تزال مُعظمةً لدى سائر المسلمين وقد أخبرنا الله تعالى أن تعظيم شعائره مؤشراً على التقوى فقال: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[سورة الحج: 32].
ومرت القرون أربعة عشر قرناً ولم تزدد الكعبة إلا تشريفاً وتعظيماً، لم يتجرأ على قدسيتها أحد من الناس إلا هلك ابتداءً من أبرهة الحبشي ومروراً بكلّ من سلكوا غير سبيل التعظيم.
أربعة عشر قرناً من الإسلام لم يجرؤ اي خليفة راشدي أو أموي أو عباسي أو مملوكي أو سلجوقي أو غيرهم، ولم يتجاسر أي ملك مهما تعاظمت وترامت مساحة مملكته وقوتها أن يعتلي ظهر الكعبة لم يفعلها إلا خدمة الحرم لغاية الخدمة وتعليق أستار الكعبة، وفعلها بلال بن رباح بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاناً بانتهاء عصر الشرك، وبداية عصر الإسلام.
غير أنه وفي فجر يوم الأربعاء الماضي الثاني عشر من شهر شباط الجاري جاء الأمير محمد بن سلمان السعودي إلى الحرم المكي وصعد مع أربعة من الأمراء على سطحها وتجوّل فيه وأشرف منه على صحن الطواف جاء مُحاطاً بمئات الحراس وقد سبقته مئات الخطوات والتدابير الأمنية. لقد صعد بن سلمان على سطح الكعبة، ولم يصلِّ، ولم يدعُ الله تعالى، ولم يقف بخشوعٍ، ولم يصعد بداعي الخدمة ولا بداعي الأذان.
وأذكر ذلك لكي لا يتمسك أحد بقول بعض الفقهاء بجواز الصلاة فوق الكعبة، فهو لم يصلّ بل كان دخوله إلى الحرم بجنوده وحرسه وصعوده على سطح الكعبة مغمّساً بالاستكبار والاستعلاء.
وقال شيخ سعودي: إن ابن سلمان صعد على سطح الكعبة بصفته رئيساً لهيئة تطوير منطقة مكة، وذلك من أجل إلقاء نظرة واتخاذ القرار المناسب لإجراء التعديلات اللازمة.
ولم يكن ذلك التبرير مقنعاً لمئات الملايين من المسلمين.
وقد أثارت تلك الحادثة الخطيرة ردود فعل كبيرة حيث أن الصعود فوق الكعبة أمر نادر وغير متعارف عليه نظراً لمكانتها الشعائرية وهيبتها وبركتها، وهو استهانة بمشاعر المسلمين ومقدساتهم.
ومن ناحيةٍ ثانية يمكن أن نستقرأ سياسة مملكة الرمال في استرضاء الكيان الصهيوني الغاصب حيث ومنذ نشأت المملكة تعمد إلى كل أثر من آثار عهد النبوة فتطمسه، وإلى كل مكانٍ فيه قداسة فتلوّثه، ولعل صعود بن سلمان على سطح الكعبة حلقةً من مسلسل الاستهانة بالمقدسات.
وفي الختام أذكر ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وإن نظن به إلا خيرًا” [رواه ابن ماجة]،
إذن ومن هذا الحديث النبوي ننطلق لنقول: إن الذي موّل الإرهاب ليقتل مئات الآلاف ويخرّب في وطني سورية عبر سنوات، ومن قتل ويقتل الآلاف من أشقاءنا في اليمن قد ارتكب الذنب الأعظم وهدم أقدس المقدسات لقد هدم الإنسان.
ولا يسعني إلا أن أردد مقولة جدّ نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: للبيت ربٌّ يحميه.
رقم العدد 15593