الجماهير ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لا جرم أن الشعوب المؤمنة بالشرائع السماوية تلتقي فيما بينها وتتفق في قضايا كثيرةٍ لاسيما قضايا الأخلاق.
والتصرفات التي تشكل علاقة الإنسان مع الإنسان الآخر، سواء مع الوالدين أو الإخوة أو الجوار ونحوها هي من ضمن القضايا المتفق عليها بين الأديان، والتي تمثل الجانب الأخلاقي الذي لا يختلف عليه أحد.
وقد ظهرت في مجتمعاتنا عادة الاحتفاء والاحتفال بيوم الأم العالمي وهو في الحادي والعشرين من شهر آذار من كل عام.
وهو يومٌ لاقى قبولاً لدى الكثير ممن يهتم برفع سوية الحياة الأُسرية وتقوية الروابط بين أفرادها؛ ويزعم بعض المؤرخين أن يوم الأم أو عيد الأم كان قد بدأ عند الإغريق في احتفالات عيد الربيع، وتقول المثيولوجيا الإغريقية التي تشرح معتقدات الإغريق الوثنية أن هذه الاحتفالات مهداة إلى الإله الأم ( ريا ) زوجة (كرونس ) الإله الأب، وفي روما القديمة كان هناك احتفال مشابه لهذه الاحتفالات كان لعبادة أو تبجيل ( سيبل ) – أم أخرى للآلهة.
وقد بدأت روما بهذه الاحتفالات في حوالي (250) قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام؛ وهذه الاحتفالات الدينية عند الرومان كانت تسمى ( هيلاريا ) وتستمر لثلاثة أيام من (15 إلى 18) مارس ( آذار ).
وفي المجتمعات الغربية الحديثة يلاحظ المتتبع لأحوال الأسرة عموماً ولأحول الأم خاصة يجد أنه عندما يصير الأب أو الأم في سنٍّ متقدمة يسارع البار من أبنائهما إلى وضعهما في دور العجزة والمسنِّين.
وقد تبيَّن أن أول من قام بتحديد يوم للاحتفال بالأم هو المجتمع الغربي ليجعل الأبناء الذين وضعوا آباءهم في دور العجزة يزورونهم في هذا اليوم المحدد من كل عام على الأقل، وهذا الأمر منتهى الجحود الإنساني، وغاية ما يمكن أن يُتَصوَّر من العقوق، أن يحرم الابن أبويه من رؤيته، علاوةً على عدم الإحسان إليهما وبرَّهما، هذا شأن الغرب في ترجمة معنى يوم الأم ويوم الأب.
وأما في المجتمعات الشرقية العربية والمسلمة فإن برَّ الوالدين لديه فريضةٌ محكمة، لأن أكدَ حقوق المخلوقين وأولاها على الإنسان حق الوالدين؛ إذ ليس هناك حق بعد حقوق الله عزَّ وجلَّ أوجب على العبد من حقوق والديه عليه، ولهذا أمر الإسلام ببرِّهما والإحسان إليهما، قال تعالى:{ و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحساناً } [سورة الإسراء: 23] وقال سبحانه: { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً }[ سورة العنكبوت:8].
وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أمك، قال ثم من ؟ قال ثم أبوك.) رواه البخاري.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه رجلٌ يستأذنه في الجهاد: (أحيٌّ والداك ؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) رواه البخاري.
وإن الوصف الشرعي للاحتفال بيوم الأم هو المباح ويصبح مستحباً شريطة أن يتقيد المُحتفل فيه بثلاثة شروط هي:
1 – عدم التقليد الأعمى للغرب فهذا مما نُهي عنه في الشرع الكريم.
2- عدم اعتبار يوم الأم عيد من الأعياد الدينية فهذا منهيٌ عنه أيضاً، بل هو نشاط اجتماعي له ثمرات أخلاقية.
3- عدم حصر الإحسان والبر للأم بهذا اليوم دون سائر الأيام.
أما إن قصد الابن بهذا اليوم برِّ الأم زيادة على الأيام الأخرى، والمبالغة في إكرامها، مع بقاء البرّ لها في سائر الأيام، فهذا فعلٌ جيد، لم لا وهذا الفعل يُدخل السرور على قلب الأم ويُشعرها بالرّضا عن ولدها.
إن الشريعة الإسلامية تأمر ببرِّ الوالدين، ويوم الأم هو من قبيل النشاط الاجتماعي الذي يوافقُ روح الشريعة ويرسِّخُ معناها فهو مباح، بل ويثاب المرء على برِّ أمه في ذلك اليوم ،كما لو بَرَّها في غيره، أرأيت إن أتى يوم القيامة من قدَّم لأمه أي نوع من أنواع زيادة البرِّ في هذا اليوم، وكان ممن التزم ببرِّها في سائر الأيام الأخرى، فأين توضع زيادة برِّه بها في هذا اليوم في ميزان أعماله، أتوضع في كفة الحسنات أم السيئات ؟!
فيا أبناء وطني أُبارك لكم هذا العيد الاجتماعي الهادف، كل عام وكل أم بألف ألف خير؛ لا سيما أمنا العظيمة سورية.
رقم العدد 15628