الجماهير ـ محمد العنان
يتذاكى القائمون في القطاع التربوي بابتداع مناهج تربوية مطورة, وتشهر والوزارة المختصة ما بين الحين والآخر جهابذتها لوضع مناهج جديدة توازي المناهج الحديثة في دول أخرى, والمستفيدة من التقنيات المعاصرة, معتمدة أساليب تتعلق بتوليد المعلومات واستنباط الأجوبة من خلال تفاعل الطلاب مع الأفكار المطروحة للوصول إلى المقترحات والحلول السلمية.
المناهج التربوية الجديدة والمستنسخة أو المستحدثة شكلت عبر السنوات الماضية ومازالت تشكل هاجساً حقيقياً للطلاب والمعلمين والمدرسين والأسر السورية في كل مكان, نظراً لما تركته من آثار جانبية وويلات انعكست على الواقع التعليمي برمته, فصار الكثير من الطلاب ينتقلون إلى الصفوف الأعلى وهم لا يعرفون “الخمسة من الطمسة” وبالكاد يعرفون كتابة أسمائهم باللغة العربية أما الإنكليزية والفرنسية فحدث ولا حرج!!.
قلنا ذات يوم أن الأمية كانت ناجمة عن عدم الالتحاق بالمدارس أو بسبب التسرب المدرسي, لكنها مع المناهج المستحدثة ستسود الأمية في قلب المدارس.
نكاد أن نجزم أن القائمين على المناهج منفصلون على الواقع الحقيقي للمجتمع السوري, فهم على ما يبدو ويتصورون المعلم والصف وعدد الطلاب كما كانت تصوره البرامج التعليمية في التلفزيون السوري سابقاً, حيث المعلمة تتوسط ثلاثة طلاب على يمينها وثلاث طلاب على يسارها وتلقنهم الدرس ليخرجوا بعد ساعة وقد حفظوا درسهم عن ظهر قلب!!
الحقيقة يا سادة أن المجتمع السوري لا يعيش كله في أحياء “الروضة والمالكي والجسر الأبيض والتجارة والمزة فيلات أو الشهباء وحلب الجديدة والموكامبو” وما يوازيها في أحياء المدن الأخرى, فهناك أيضاً دف الشوك والحجر الأسود والقدم والفردوس والجزماتي وبني زيد وتل الضمان والخفسة وما يعادلها في الأحياء والقرى الأخرى!!
الطالب السوري ليس فقط من يوصله سائقه الخاص إلى باب مدرسته ويعيده إلى بيته, بل هناك طالب يقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام تحت المطر والثلج وأشعة الشمس الحارقة ليصل إلى مدرسته.
الأسرة السورية ليست فقط الأسرة المتعلمة المواكبة لأبنائها بالمدارس وتتفاعل معهم وتستنج الحلول معهم, فهناك الأسر التي تقضي ليلها ونهارها في أعمال متعددة لتحصل على قوت يومها ولا تستطيع حتى رؤية دفاتر الأولاد ووظائفهم.
الشعبة الصفية في سورية ليست كما الحال في دول الجوار ولا تضم /20/ طالباً وطالبة وينقسمون إلى مجموعات تفاعلية للاستنتاج واستخلاص الحلول.
الشعبة الصفية في المدارس السورية يزيد طلابها عن خمسين طالباً وهم بالكاد يسمعون صوت المعلم الذي لا طاقة له في تصحيح وظائف الطلاب.
المعلم السوري ليس هو الذي هضم المناهج الجديدة ويستطيع ضبط الطلاب مهما علا صوتهم وضجيجهم, فهناك الكثير من المعلمين لم يتمكنوا من مواكبة هذه المناهج ولا يجيدوا التعامل معها .. ووزارة التربية اليوم بصدد انتقاء آلاف الوكلاء ربما بالكاد استطاعوا النجاح في الثانوية العامة وسيكونوا قيمين على الأجيال.
نحن لا نعترض على المناهج الجديدة, فلا شك أنها تواكب المناهج اليابانية والدول الاسكندنافية, لكنها لا تراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع السوري, ولا البنية التحتية أو الإمكانات المادية المتوفرة لدى المدرسة والأسرة..
من هذا الباب “نعتقد جازمين أن القيمين على المناهج الجديدة في برجهم العاجي منفصلون عن الواقع والمناهج هذه لا تلامس حقيقة هذا الواقع, وهذا الواقع ينذر بمستقبل تربوي قاتم سينعكس على المجتمع برمته, ونعتقد أيضاً أنه لا يعنينا فقط أن يكون لدينا نابغة هنا ونابغة هناك بموازاة ظهور قوافل من الأميين وأشباههم!!.
رقم العدد 15629