الجماهير – محمد العنان
يزخر التاريخ البشري والثقافة الإنسانية بالكثير من الجدران والحواجز ، أشيد معظمها في الغالب لأسباب سياسية وعسكرية.
من أبرز هذه الجدران سور الصين العظيم والذي يزيد طوله عن /7/آلاف كم، فيما يعتبر الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة الامريكية ثاني أكبر جدار في العالم بطول / 1600/كم وينوي الأمريكيون استكماله لمنع اللاجئين ومهربي المخدرات من العبور إلى الولايات المتحدة، فيما يعتبر جدار برلين الذي قسم العاصمة الألمانية وأوروبا برمتها إلى شطرين والذي تم بنائه بطول 186كم سنة 1961 في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهدمه الشعب الألماني عام 1989 يعتبر نموذجاً عن التحولات السياسية الهائلة التي حدثت في تلك المرحلة.
أما جدار الفصل العنصري الذي بناه الكيان الصهيوني فيعتبر أنموذجاً سافراً عن الكراهية والعنصرية وصورة بشعة من صور الاحتلال واستباحة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كثيرة هي الجدران الفاصلة بين الأمم والشعوب / بين المجر وصربيا – بين اليونان وتركيا – بين الهند وبنغلاديش – بين شطري قبرص ، وسواها الكثير إلى جانب حقول الألغام المصطنعة والتي تعد شكلاً آخر لهذه الجدران/.
لا شك أن هذا المشهد ينطبق إلى حد كبير من خلال الثقافات المختلفة التي تفصل بين البشر والأمم، والاختلافات الفكرية والاجتماعية والدينية والمذهبية أيضاً والتي تفضي بالنهاية إلى تشكيل الجدران الاسمنتية والحواجز الحديدية لكنها بشكل أو بآخر قابلة للإزالة من خلال الحوار أو الاتفاقيات أو التفاهمات.
ثمة جدران أخرى تزخر بها البشرية أيضاً وهي ما زالت ماثلة أمامنا تؤرق الإنسانية برمتها، وهي الجدران التي نمت وترعرعت بالعقول، وتشكلت من خلالها ثقافات جديدة لم تساهم سوى بهدم الصورة المشرقة من التاريخ الإنساني وهي ثقافات ترفض الانسجام والتعايش مع الفكر الإنساني ذاته وتأبى الاعتراف بالآخر وهي صورة قاتمة نراها تتجسد بين الحين والآخر وربما من خلال ثقافات عابرة للحدود أو أفكار هدامة ومتطرفة ( تنخر كالسوس).
وليس ببعيد عن جغرافيتنا وتاريخنا الحديث أمثلة لجدران شاهقة في العقول، كانت تمزق أوصال المدينة وبعضها ما زال جاثماً بين الأزقة والطرقات وربما موجودة بيننا في بيوتنا ومؤسساتنا وتشكل خطراً حقيقياً على حاضرنا ومستقبلنا.
ثمة مواصفات مشتركة وأخرى مختلفة ما بين الجدران الاسمنتية والحديدية والجدران المتجذرة في العقول، إلا أن بعض الجدران يمكن إزالتها، إلا أن جدران أخرى تحتاج إلى خيارات فكرية وثقافية ونوايا حقيقية وإرادة قوية وربما قوانين حديدية ليبدأ مشوار التغيير الطويل والصعب ولعله الأصعب بكثير من هدم الجدران الاسمنتية تلك.
رقم العدد ١٥٧١٨