بقلم : المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي الجمهورية
شيء خفي يربطني بهذا التراب.
شيء يتكرر لكل الناس، من جيل إلى جيل.
هذا التراب نعشقه
آباء عن جدود الى الأحفاد.
لكل واحد منا أقرباء وأهالي رحلوا وبقيت أجسادهم مدفونة في هذه الأرض.
كيف لنا أن نتركهم يعانون تحت التراب لوحدهم؟
نحن أبناء وأحفاد وهم آباء وجدود.
كيف طاوع ضمير أولئك الذين هاجروا؟ عندما كنت يافعا، كنت أزور المقابر وأقرأ أسماء الموتى وأربطهم بذاكرتي مع الأحياء، فأعرف أن خالة وعمة فلان، أو والد ووالدة وأقرباء فلان، مدفونين هنا.
في بداية الأزمة، وفي مدينتي، حلب، أصبحت المقابر المسيحية خارج السيطرة، فكنت غالبا أفكر أن والدي ووالدتي وخالتي التي ربتني، هم لوحدهم.
كم أنبني ضميري، بأني اتركهم لوحدهم.
تتساقط القذائف عليهم.
هل شعروا بالخوف كما شعرنا نحن؟
وبعد عودة سيطرة الدولة على المقابر، وفي أولى زياراتي لهذه القبور، عادت نفس الأسماء على نفس القبور تتراقص في ذاكرتي.
رحل أولادهم، وهاجروا.
من سيزورهم.
من سيتذكرهم.
من سيحمل الورود ليضعها على قبورهم؟
من سيقف كطفل صغير أمام والديه؟
كيف طاوعنا ضميرنا أن نتركهم؟
عندما أقف أمام قبور والدي ووالدتي وخالتي، أعود إلى أيام طفولتي، فأتخيلهم وانا طفل أمامهم.
أتخيل أمي عندما تأخذني معها إلى الزيارات.
أتخيل والدي وأنا وأخي نتنزه على كورنيش اللاذقية، ونأكل الكعك أو نشرب “الكازوز” في مقاهي الكورنيش.
أتخيل خالتي تدرسني اللغة الفرنسية، وأتذكر قولها “أريدك أن تقرأ ككرج المي وليس تكسير الحطب”.
لم أترك آبائي، ولكن هل سيزورني في المستقبل أبنائي؟
أيها الموتى
أيها الآباء والأجداد، الذين تركهم الأبناء.
أنا وغيري من الذين بقوا، سنكون أبناء لكم.
سورية بالكامل هي ابنة لكم ونحن أبناء لها.
اللهم اشهد اني بلغت.
رقم العدد15728