الجماهير – الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
ما أجمل أن يحمل الإنسان بين جنبيه خُلق الحياء؛ ذلك الخُلُق المُعبّر عن رُقي الإنسان، حيث يتعامل من خلاله مع محيطِه بأعلى مستويات التهذيب، فلا يتكلّم بالكلام المسيء ولا يفعل الفعل السيّئ، يُعامل الآخرين كما يُحبُّ أن يُعامل، فلا يتهاون في أداء الواجب، ولا يتذمّر من إعطاء الحقوق؛ ولا يتنكّر المعروف الذي قُدّم إليه.
والحياء أنواع ثلاث: حياء من الله وحياء من النفس، وحياء من الناس.
والأول أن نستحي من الله تعالى، الذي أمرنا بكل خير ونهانا عن كل شر، فلا نفعل السوء، فهو يرانا في كل أوقاتنا؛ ويطّلع على كل تصرفاتنا، وهو مؤشرٌ لحياة القلب، وجالبٌ لمحبة الناس ورضا الرب.
والثاني الحياء من النفس: أن نستحي من أنفسنا والإنسان الذي يستحي من نفسه لا يأتي بالنقص أو بما يخل الكرامة، وهذا أكمل أنواع الحياء لأن من استحى من نفسه كان استحياؤه من غيره أولى.
والثالث الحياء من الناس: فلا يفعل المرء أمامهم أو يتلفظ ما يُنقصُ من مروءته أو يُخلُّ من مكانته أو يسيء لهم.
إن الروح تنتعش بالحياء كما تنتعش الأرض بوابل المطر، ومن فقد الحياء فقد جعل روحه في خطر وجعل محيطه لا كارهاً له.
وإذا تعمم خُلق الحياء بين أفراد المجتمع وجماعاته، في بيوته ومؤسساته؛ أصبح المجتمع راقياً ومُتقدّماً، فالحياءُ خصلةٌ إنسانية مركزيّة مؤثّرة في كل الأخلاق والصفات الأُخرى، فهو ضابطُ الإنسان، وعنصرُ الإيمان، وسبيلُ الإحسان، وهو كابحٌ للطمع مُشجعٌ للإيثار، دافعٌ للنجاح رافعٌ للهمم، مانعٌ لارتكاب الأخطاء.
وفي التاريخ الكثير من المواقف التي تؤيد ذلك منها:
حياءُ عنترة العبسي ذلك الفارس العربي الذي عاش في العصر الجاهلي حيث نقل إلينا عبر شعره ذلك الشعور الراقي حين قال:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي …
حتى تواري جارتي مأواها
ومنها موقف أبي سفيان عندما ذهب إلى هرقل ملك الروم مع بعض القرشيين فلما دخل عليه سأله هرقل عن الإسلام وعن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال هرقل للقرشيين: إني سائل هذا الرجل ـ يعني أبا سفيان ـ ، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان : لولا الحياء أن يروا عليَّ كذبا لكذبت . فأخذ هرقل يسأله عن صفات النبي ونسبه وأصحابه وأبو سفيان لا يقول إلا صدقاً حياء.
فقد كان الحياء دافعاً لأبي سفيان إلى الصدق رغم عِدائه في حينها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
إنّ المجتمع الذي يخلو من الحياء مجتمع منزوع الإيمان مسلوب القيم، يسير بكُلّيته نحو العدم، فعلى المجتمع أن يجعل الحياء خُلقاً شائعاً، يداوم عليه، ويلتزم به، فالحياء كله خير، ولا يأت إلا بخير، والإنسان الذي يتخلّق بالحياء هو إنسان محبوب عند الخلق وعند الخالق.
رقم العدد 15733