الجماهير – بيانكا ماضيّة
على طريقتِهم الخاصة التي سُرّت لها الشعوبُ العربية وكل من يناهضُ التطبيعَ مع الكيانِ الإسرائيلي، عبّر أطفالُ القدس وشبّانُها عن رؤيتِهم المدوّن السعودي “محمد سعود” وهو يتبختر في شوارعِ مدينتِهم القديمة، معلناً التطبيعَ مع الكيانِ الإسرائيلي المحتلِ بشكلٍ وقحٍ وفجّ. بصقوا في وجهِه، وألقوا عليه الأحذيةَ والكراسي البلاستيكية، ومنعوه من الدخول إلى المسجد الأقصى مرددين “اطلع برّا.. هذا محل طاهر مش للمطبعين”!.
ردةُ الفعل هذه التي قام بها بعضُ أطفالِ وشبانِ المقدس تجاه هذه الزيارةِ التي أشيرَ إلى أنها تأتي ضمنَ زيارةِ وفدٍ مؤلفٍ من زائرين من الدول العربية بدعوة من وزارة خارجية الكيان ، وأنهم سيلتقون خلالَها نتنياهو ونواباً في الكنيست بالإضافة لشخصيات أكاديمية، وسيزورون المعالمَ الدينية في القدس!! ردةُ الفعل هذه تشير إلى أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكنُ للشعب الفلسطيني تجاوزَها، وعلى رأسها عروبة فلسطين وفي قلبِها القدس، وأن كلَّ تطبيع مع الكيانِ الإسرائيلي هو خيانةٌ للقضيّة الفلسطينيّة.
هذا التطبيعُ الذي أعلن عنه “سعود”- ولننتبه إلى إشارةِ هذه الكنيةِ إلى الدولةِ التي ينتمي إليها- لايشكّلُ تصرفاً شخصيّاً كما حاول البعضُ الإيهامَ به، وقد أشار في حديثٍ لإذاعةِ غالاتس” الإسرائيليّة “: “الشعبُ الإسرائيليُّ يشبهنا، وهم مثل عائلتي”!! هذا التطبيعُ هو تطبيعُ دولةٍ عربيةٍ (السعودية) ونظامِها برمّتِه مع الكيانِ الإسرائيلي، لأن ولاءَ هذا النظامِ وزبانيتِه أولاً وأخيراً للصهاينةِ اليهود، فهم يشبهونهم بالتأكيد، وهم ليسوا مثل عائلتهم، بل هم عائلتُهم الأصلية.
إن الماكينةَ الإعلاميّةَ التي يقفُ وراءها الكيانُ الإسرائيليُّ المحتلُ وكلُّ القوى المعادية للشعبِ الفلسطيني وللعربِ عموماً، وظيفتُها العملُ على كيِّ وعي الشعبِ الفلسطيني والعربي عموماً، وما هذا الذي تم تظهيرُه مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي من زيارةِ هذا الـ”سعود” للقدس، إلا لصناعةِ الهزيمةِ الداخلية في العقول، ولإيصال الشعبِ الفلسطيني لدرجة فقدانِه ثقتِه بنفسِه وبقياداتِه وبالعربِ والمسلمين، وإذا كان الاهتمامُ العالميُّ والعربيُّ بالقضية الفلسطينية ليس بالدرجة نفسِها التي كان عليها قبل شتاءِ (الربيع العربي) وصفقةِ القرن ومؤتمراتِ التطبيع الوقحة، إلا أن القضيةَ ليست بهذه الدرجةِ من السوء كما تحاول تصويرَها وسائلُ الإعلامِ المعادية وصُناع سياسةِ كيّ الوعي والهزيمة، كما أشار أحد الكتّاب السياسيين.
إنَّ الشعوبَ العربية غيرُ مستعدةٍ للمساومة على القضية الفلسطينية وعلى القدس، وهي تقفُ موقفاً واحداً منها على خلاف بعضِ أنظمتِها المطبّعة، فالقضيةُ الفلسطينيةُ قاسمٌ مشتركٌ بين غالبيةِ القوى السياسية الوطنية والقومية ولاسبيل إلى تغييرِ موقفِها المبدئي والتاريخي منها، ولذلك فإن ماقام به الطفلُ الفلسطيني تجاه زائرِ مدينته المطبّعِ مع عدوِّه يمثل ردةَ فعلِ الشعوب العربية جميعِها، وهي ردةُ الفعل المثلى لمن كان “الإسرائيليون” مثل عائلته!
رقم العدد ١٥٧٤٩