بقلم.. المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي الجمهورية
كل عائلة هي جيش في حد ذاته. ومجموع كل العوائل الصغيرة تشكل العائلة الكبيرة سورية.
أعود في ذاكرتي إلى يوم تأسيس جيشي الصغير، ويمر شريط الذكريات، كيف كنتم صغارا وتنفذون قرار أمكم – وأنا أنفذ معكم – وهي بمثابة قائدكم الأعلى.
كان الصباح وقت قاسي لكم، فصوت أمكم يعلو لكي تستيقظوا استعدادا للذهاب الى المدرسة.
كنتم تتسربون إلى الحمام فتغسلون وجوهكم والصوت يتابعكم بالأوامر … “أغسل وجهك منيح” … “أترك أختك لا تعذبها” … “بسرعة … لا تمشوا على بيض” إلى آخر الاسطوانة التي تلاحقكم بها.
وتأتي مرحلة اللباس التي تشرف عليها أمكم شخصيا، فمن البنطال إلى الكنزة التي يجب أن يخلع الرأس معها إلى الأحذية المصبوغة ورباطها إلى إلى إلى … المهم، أن تكونوا أقمارا مرتبين بحقائبكم المدرسية الملونة … وكنتم تذهبون كالعصافير الملونة الصغار بعد أن تخضعوا للتفتيش الأخير والانتباه إلى تمشيط الشعر.
وعند العودة تبدأ رحلة أخرى من غسل الأيدي إلى الغذاء والدرس والصوت الملعلع… “اكتب جدول الضرب” … “سمعيني واقرأي على مهل” … “وين دفتر الوظائف” … “ليش علامتك تسعة وليست عشرة؟ ياحيف على تعبي”.
وتمر الأيام حتى يأتي الصيف بعطلته، فكانت المسابح والسفر بالقطار إلى اللاذقية واللعب، وكنا نحن نقرر وانتم تنفذون.
اليوم كبرتم وأصبحتم تخططون للرحلات وتقولون وتجتمعون وكلام أمكم أصبح من نوع آخر …”الله يحميكم” … “حبيباتي” وغيرها.
أكتب ذلك الكلام وكل عائلة في سورية مارسته بشكل أو بآخر حتى كبر جيشها العائلي.
كل أم مارست ما مارسته زوجتي.
كل عائلة كانت تتابع أبناءها في صغرهم ومدرستهم وعطلهم.
كل عائلة فيها صور للأولاد بمراحل عمرية متنوعة.
كل هذه الصور تصنع مزهرية الوطن.
وكل الأبناء يشكلون الورود والزهور في هذه الجمهورية.
هل كان هؤلاء الأولاد يعرفون أن ضحكاتهم سيسرقها الزمن الأسود القادم على سورية؟
الكثير منهم سيتذكرون طفولتهم وشقاوتهم وضحكتهم.
سيتذكرون ألوان الطباشير على ألواح صفوفهم.
أصبحتم تعرفون أن الوطن هو أم أيضا.
كم رسمتم خارطة سورية بألوان الفراشات، وحدودها بقلوبكم الصغيرة.
هذه ال “سورية” التي يريد كل واحد أن يقضمها … ذهبتم صغارا إلى المدارس لتتعلموا خريطتها الواحدة التي تجمعكم.
كلكم ينتمي إلى جيش عائلي صغير.
وكل الجيوش العائلية تشكل جيشنا الكبير.
ويجب أن نعرف أن الخريطة التي رسمناها بجيوشنا العائلية الصغيرة … سنحميها بجيشنا الكبير.
ولولا جيشنا الكبير لما كانت جيوشنا العائلية، ولا كانت أحلامكم، ولا مراجيحكم ولا طبشور مدارسكم.
اللهم اشهد اني بلغت.
رقم العدد ١٥٧٥٦