الجماهير- بيانكا ماضيّة
لم تكن حكاية من حلب وحسب، تلك التي قدمت أمس عبر الفيلم الوثائقي الذي قدم على مسرح نقابة الفنانين بمبادرة كل من الكنيسة الإنجيلية العربية، والمريميين، وجمعية من أجل حلب، بل كانت حكاية السوريين جميعهم، ورغم أن الأغلبية العظمى من السوريين قد عانوا جراء الحرب الشرسة على بلادنا، وهناك قصص وحكايات لم توثّق بعد في كتب أو في أفلام، إلا أنه بإمكاننا القول: إن الصمود والتحدي كانا العاملين الأكثر بروزاً ووضوحاً في هذه الحرب، فلولا تميز السوريين بهما لما انتصرت سورية على أعدائها..
ولكن كان لحلب الحصة الأكبر من الهجوم البربري على أهلها وناسها ومناطقها وآثارها وشوارعها وكنائسها وجوامعها. لم تسلم بقعة في حلب من هذا التوحّش، من هذا التغوّل اللاإنساني ضد البشر والحجر، فكم من أُسر عانت الويلات وشرّدت ودمّرت بيوتها، وكم من شهيد ومخطوف!، وكم من مجازرَ حصلت في حلب!، وكم من عذابٍ وألم وقهرٍ ذاقه أهلها!، وكم من ليال ٍلم ينم فيها أهل حلب، وهم يعيشون تحت وابل القذائف التي جعلت حياتهم في منتهى الألم والعذاب..لم تمر مدينة من مدن سورية كما مرت بها مدينة حلب، ولكن التاريخ السحيق لها يُخبرنا أن قدرها أن تنتفض من تحت الرماد كما ينتفض طائر الفينيق من رماده. هي المدينة التي لاتموت مهما كان حجم الإجرام والتدمير فيها كبيراً، هي مدينة الأمل قبل أن تكون مدينة الألم، ولهذا فإن فرصة تعافيها من خرابها وخراب نفوس أهلها لهي كبيرة جداً. كيف؟! بالعمل!!
الفيلم التوثيقي الذي قدم أناساً عانوا جرّاء الحرب وتحدّوا الظروف الصعبة ليستطيعوا الاستمرار في الحياة، هم نماذج من حلب، نماذج لاتنتهي قصص بطولاتها وصمودها وتعافيها، فالضحكات المرسومة على شفاهها تخبرنا بذاك الأمل الذي وجدوه في العمل، العمل الذي ينتشر خيره على غير فرد من أفراد هذا الوطن. لايمكن لمن يعيش في حلب أن يتقاعس عن العمل وهو يعلم أن بعمله هذا لايخدم نفسه وعائلته ومدينته وحسب، وإنما يخدم الوطن كله..
قدر حلب أن تكون أكثر المدن خراباً، ولكن قدرها أيضاً أن تكون أكثر المدن تفاؤلاً وأملاً بمستقبل مشرق لابد ستسطع شمس نهاره.
رقم العدد 15758