بقلم : حميدي هلال
هل أصبح التعليم في بلادنا حكراً على أبناء الطبقات المخملية .؟؟ بحسبة بسيطة يتبين أن تكلفة القميص المدرسي كحد أدنى 4 آلاف ليرة ، بنطال 4 آلاف ليرة ، حذاء 4 آلاف ليرة ، كتب مدرسية 7 آلاف ليرة ، حقيبة مدرسية 4 آلاف ليرة ، قرطاسية 3 آلاف ليرة ، المجموع 26 ألف ليرة كحد أدنى تكلفة تجهيز طالب مدرسي .!! فمن يستطيع من الفقراء تحمل تلك التكلفة .؟؟ ناهيك عن وجود اكثر من طالب مدرسي في بعض الاسر .؟؟
لا يختلف اثنان أن اللباس الموحد أو الزي الموحد في مختلف القطاعات التعليمية أو غيرها من المؤسسات الرسمية والخاصة يعطي انطباعاً حضارياً رائعاً ويعكس حالة الانضباط والالتزام ويقدم صورة رائعة لهذه المؤسسة أو تلك حتى أصبحنا نرى أن الزي الموحد يتم تطبيقه حتى على مندوبي المبيعات والحراسة وعمال النظافة وذلك في أرقى دول العالم .
لكن هذا الحديث كان يجد آذانا صاغية والتزاما ولو الى حد ما في تطبيقه وخاصة في المدارس كون الحالة المادية والقوة الشرائية للأهالي بالإضافة الى انخفاض قيمة المنتج ، كل هذه العوامل كانت تساعد على التزام الطلاب بلباسهم الموحد ، لكن اليوم الحالة تختلف مئة وثمانون درجة عما كانت عليه قبيل الأزمة التي عصفت بالبلد وما نتج عنها من حالات فقر وتشتت ولجوء وفقدان المأوى ” البيت ” وتدهورت القدرة الشرائية وارتفعت الأسعار أضعافاً مضاعفة وبات هم المواطن اليومي تأمين اللقمة ” حاف ” وسد رمق الأطفال بلقمة خبز وقليلا من ” مية الفرنجي ” ، عداك عن الحقيقة المرة التي نواجهها في مجتمعاتنا من إبعاد الأهل أبناءهم عن المدرسة بحجة التكاليف الزائدة ، فالمدرسة مكلفة حقاً، وخاصة إذا كان عدد أولاد الأسرة كثيراً ، دون الاهتمام بتعليمهم وتربيتهم..
من ناحية أخرى هناك وجهة نظر طرحها أحد التربويين تقول أن اللباس المدرسي الموحد يساوي بين الطلاب من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية، ويضمن أن جميع الطلاب يرتدون نفس الشيء بغض النظر عن وضعهم المادي.
فإذا ما ارتدى الطلاب ثيابهم الخاصة في كل يوم يذهبون فيه إلى المدرسة، سيخلق ذلك هوة واضحة بين الطلاب الذين ينتمون إلى أسر ثرية وبين الطلاب الفقراء. وستصبح الثياب التي يرتديها الطالب مؤشراً ومعبراً عن وضعه المادي والاجتماعي، مما يجعل الشريحة الفقيرة أكثر عرضة للتأذي وأقل قدرة على مواكبة آخر صيحات الموضة التي دائماً ما تكون مكلفة ولا يستطيعون تحملها.
في حين يدحض آخر صحة هذه النظرية ويؤكد أن الفروق الاجتماعية واضحة المعالم على محيا الأطفال حتى لو ارتدو اللباس الموحد ، وأن ديموغرافية مجتمعنا مبنية أساساً على التباين الطبقي ، ولوضعنا ابن حي حلب الجديدة في مقعد واحد مع ابن حي الجزماتي وبنفس اللباس الموحد لكاد ابن الجزماتي أن يقول ” خذوني ” ..
لكن وجهة نظر أخرى تطرح مفادها ، وكما يقول أبو البقاء الرندي: لكل شيء إذا ما تم نقصان، فهناك دائما وجه آخر لهذه الميزات الرائعة لفرض اللباس الموحد في المدارس.
ولعل أبرز ما تتميز به هذه المرحلة العمرية المرتبطة بالمدرسة هي الرغبة الملحة التي تشع من الطلاب للتعبير عن ذاتهم ، فهذه المرحلة هي فعلا مرحلة تحديد الهوية وبناء الشخصية، ومن غير العدل أو الحكمة أن نمنع طلابنا من التعبير ونكبت رغبتهم في التميز عن طريق تحديد خياراتهم وتنميط أذواقهم ورأيهم ، ويدخل ذلك الطلاب في متاهة بين ما يتعلمونه عن ضرورة التفرد بأفكارهم وخلق الخواطر المبدعة، فنحن في العصر الواحد والعشرين- عصر الفردية والإبداع، وبين ما يفرض عليهم من قوانين تنميط وتحجيم.
ولعل الحل لن يكون بإلغائها والسماح للطلاب بارتداء ما يرغبون به، لكن يكون عبر إيجاد حل وسط يضمن سلامة الإبداع والتفرد.
وأنا أقول بما أن التعليم في بلادنا مجاني وحق تكفله الدولة لكل مواطن وهو الزامي في مراحله الأولى فلابد أن تكفل المدرسة تقديم اللباس ” مجانا ” للطلاب لمرة واحدة في السنة لتخفيف العبء عن الأهل ولو لفترة مؤقتة أو لهذا العام على الأقل كون أكثر من 75 بالمئة من التلاميذ عائدون من مناطق منكوبة كانوا محرومين فيها من التعليم لمدة 8 سنوات من عمر الأزمة.
وإن كان الأمر حتميا ولا بد منه فيمكننا بكل بساطة أن نفرض قواعد محددة للباس المدرسي والطريقة التي يجب أن يكون عليها، وقمع عمليات ” قرصنة ” هذا الزي ومنع اجراء عمليات التعديل و التحوير والاضافات والتمايز التي تتم عليه ووفق آخر صرعات ” الموضة ” سواء من منتجي هذا اللباس أو من الأهل، وربما عبر دعم ” حقيقي ” لهذه البدلات لتصبح سهلة المنال يمكن للأسر الفقيرة أن تتحمل تكاليفها .
رقم العدد 15786