الجماهير / الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
ربما كان الأطفال ومن يتمتعون بشفافيتهم النفسية هم الذين يتمنون أن يعمَّ السلام في سائر بقاع الأرض، غير أن هذه الأمنية تكاد تكون في صورتها الكُلّيّة ضرباً من ضروبِ الخيال، وذلك لسببين اثنين؛ الأول: أن العُنف والصراع من أجل البقاء أكثر رسوخاً في واقع كوننا الذي نعيشُ فيه. والثاني: أن بعض الحروب نشبت أصلاً من أجل إحقاق الحق وإقرار السلام وحماية الضعفاء من المعتدين.
السلام العالمي معنىً يصعب الحديث عنه من حيث الصورة العالمية الحالية؛ لما في الأرض من دماء ودمار وحروب وظلم، غير أنه يمكن أن يكون موضوع جُهد الشعوب، وأساس عمل السياسة، وغاية محترمةً عند كل الناس إذا كانت النظرة إلى مستقبل الإنسانية أكثر تفاؤلاً، ولهذا نجد أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت منذ حوالي الخمسين عاماً يوماً للسلام “اليوم الدولي للسلام” كان ذلك في عام (1981م) وذلك من أجل “الاحتفال بهذه القيمة العظيمة وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب” وبعد عشرين عام، حددت الجمعية العامة يوم الحادي والعشرين من شهر أيلول “سبتمبر” تاريخاً للاحتفال بالمناسبة سنوياً.
إن اليوم الدولي للسلام يمنح شعوب العالم أمراً مشتركاً لكي ينظّموا أنفسهم ضمن مؤتمرات أو أعمال تبيّن أهمية السلام وتُسلّط الضوء على آثاره المفيدة في الحياة، هذه الآثار التي جاءت كل الأديان السماوية لتحضّ عليها، وجاء الإسلام لتعميق جذورها في النفوس، إذ أن تعاليم الإسلام الأساسية تقوم على هذه القيم، فنجد تحية اللقاء بين الناس “السلام عليكم” وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (السلام قبل الكلام) رواه الترمذي. وسبب ذلك أن السلام أمان ولا كلام إلا بعد الأمان.
والسلام اسم من أسماء الله الحسنى وهو يُلقي في النفوس أهميةَ اللجوء إليه سبحانه لنحظى بذلك المعنى العظيم من طمأنينة النفس المرافق للشعور بالسلام.
وكذلك جعل الإسلام السلامَ سبباً لسعادة الدنيا والآخرة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم. فالسلام عنوان المحبة، والمحبّة وليدةُ الإيمان، والإيمانُ ثمن الحياة السعيدة الهانئة في الدنيا والآخرة.
إن تعزيز المحبة والتراحم بين الناس ورفض العنف والتطرّف من أعظم المبادئ الإسلامية التي تُظهرُ أثر الإسلام العظيم في تحقيق السلام العالمي ونشر ثقافة الحوار مع الآخر ومدّ جسور التفاهم الإنساني؛ خلافاً لمن أراد الترويج لصورة الإسلام على أنه الإرهاب والقتل والتدمير والتفجير من خلال صناعة متأسلمين جاؤوا لتشويهه والتنفير منه.
إنني أجد أنه من المُهم أن أُذكّر بالسلام في “يوم السلام الدولي” رغم الكم الهائل من الدمار الذي تعرّض له وطني العظيم “سورية” لأنه وطن السلام والإخاء والعيش المُشترك، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، وربّنا سبحانه عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو ليقتل بعضهم بعضاً ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعينُ بعضهم بعضاً، والإسلام الحقيقي يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الارض، وجميع الحضارات الإنسانية كانت تسعى لهذا التعايش السلمي بين شعوب الأرض.
ففي “يوم السلام الدولي” نرفع الدعاء لربنا السلام ليَعمّ السلام في أرض المحبة والسلام، وطننا الحبيب سورية.
رقم العدد 15806