الجماهير / رفعت الشبلي
استيقظ كل يوم، ألملم أوراقي و أبحث عن مستلزمات الرحلة اليومية في عالم الصحافة .. أتذكر ..هنا هاتفي ، هنا الأوراق التي كنت أكتب فيها أثناء السهر ، هنا محفظتي ، هنا .. أين القلم؟، أين أقلامي؟ ..كالعادة .. لا أجدها، فلدي ابن يقوم باستعارتها بطريقته الخاصة و بدون إذن مسبق مني ، ماذا أفعل ؟ أسأل نفسي أيعقل أن للقلم كل هذه القيمة ، ولا أعلم ؟ أم أن ولدي أحب التخلص من عالمي الخاص وبدأ البحث عن طريقة ما تجعل جرعة الامل التي أشحن نفسي بها يومياً غير كافية؟ لا أدري ربما..!
قيل قديما : ان تقضي عمرك مهموم الفؤاد .. فلن تزيد شيئا على ما خطه القلم .
وقيل أيضاً: أول ما خلق الله هو القلم وقال له اكتب .. قال و ما اكتب ؟ قال اكتب القدر ما كان و ما هو كائن إلى الأبد ، حيث أقسم به عزوجل .. ” ن والقلم وما يسطرون “، به ترفع الأمم الدرجات من العلم و به تسود، و به يصعد المرء المراتب العليا ، كذلك من المعاني التي تستخدم بحق القلم : رفعت الاقلام ، أي قضي الأمر ، والقلم لسان المرء .
و من أسمائه، اليراع، به تكتب قرارات الإذعان و به تكتب الصكوك، و عقود الزواج الأبدية، وبه يكتب تاريخ الانتصارات و به تكتب الروايات وبه تكتب ايام الحزن المريرة و أيام الفرح .. و من لم يتعلم الكتابة بالقلم يكون أمياً.. هكذا يقولون.
به كانت تكتب الرسائل للملوك و الأمراء و السلاطين و كانوا يختارون من الكتّاب أمهرهم و أجملهم خطاً، لكي تصل الرسالة التي تتكلم عن هموم الناس و مشاكلهم و طلباتهم .. يعني الخدمات في عصرنا، كل الخدمات الطرقية و الفنية والهاتفية و التموينية و الاسعافية و الغازية و المازوتية و السرفيسية .. كل ما يحتاجه الناس .. إنه القلم!
وكتب بالقلم من الشعر و الحكمة و الأدب و العلم الكثير الكثير، منه ما كتب بشعر زائر الليل ، صوت صفير البلبل ، والمعلقات وغيرها .
وما كتب من الشعر: ” لا تشكو للناس جرحاً انت صاحبه ” ، وكم هي جروحنا اليوم.
ومن لا يعرف القلم جيداً فليسأل المتنبي، حيث قال: ” الخيل و الليل و البيداء تعرفني والسيف و الرمح و القرطاس والقلم ” … كناية عن شجاعته، الشجاعة المفرطة التي أطاحت برأس المتنبي مثلاً .
ولذلك لنأخذ جرعة من التفاؤل و نتذكر من الحكم التي كتبت بالقلم ” القناعة كنز لا يفنى ” و يكتب به على السيارات غزل السائقين ” طبع الحلو يدلع ” ، كما يكتب به على الحيطان خلجات المراهقين وما يعتلج في صدورهم ” س + ص = حب أبدي ” .
انه القلم استخدمه المعلم و المهندس و القاضي و الضابط و الكاتب و الطبيب و المحامي و الصحافي ، و كم من صحافي عانى من هذا القلم حتى أدخله في فم الخطر احياناً كثيرة .!!
إذا هل للقلم كل هذه القيمة؟ التي أدركها الأطفال! ربما ..!!؟
رقم العدد 15840