بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لا يمكن للإنسان أن ينظر في صرحٍ من الصروح في هذه الدنيا، أو أن يلتقي برجلٍ ناجحٍ ولا يخطر بباله معنى الإرادة، ذلك أن الإرادة هي المُحرّك لكل نجاح والباني لكلّ صرح.
الإرادة تعني العزيمة والقدرة والتصميم الواعي على أداء فعلٍ معيّن. وبمعنى آخر هي الطاقة التي تدفع نحو الإنجاز، وهي من أعظم قوى الإنسان اذ من دونها لا يمكنه أن يُقبل على عمل ما أو أن يتركه، فهي التي تجعل الفعل يخرج من حيّز الخيال إلى ساحة الفعل والواقع، ومن حيّز الحلم إلى مجال الحقيقة.
وإذا أردنا أن نُعرّف الإرادة بحسب ما ورد في كُتب العلماء نقول أنها كما ذكر الشريف الجرجاني في كتابه التعريفات: «صفة توجب للحي حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فهي ميل يعقب اعتقاد النفع»
في حين ذهب جماعة الفلاسفة المثاليون إلى أن الإرداة خاصية مستقلة عن المؤثرات والظروف الخارجية. ويرى الماركسيون أنها ثمرة المعرفة والتجربة والتربية وذهب الفيلسوف الفرنسي ديكارت إلى أنه: لا إرادة حيث لا استطاعة.
وفيما يبدو لي أن هناك شبه كبير بين معنى الإرادة ومعنى النية التي هي كما عرّفها أهل العلم: عزم القلب على إيجاد الفعل جزماً. وهي في النظرة الدينية روح العمل وأساسه ووجودها معيار الحصول على الثواب من رب العالمين.
وتتكوّن الإرادة من مراحل تبدأ بالتفكير وتحديد الهدف، ثم التقرير والعزم، ثم بذل الجهد والسير والإقدام على تحقيق الهدف.
ولا يحتاج تحقيق الهدف إلى الإرادة فحسب بل يحتاج إلى القوة، قوة الإرادة، وهي العامل الضابط للنفس البشرية التي تكسوها درعاً حديدياً في مجابهة أي حالة ضعفٍ قد تعتريها، إنها الثبات والعزيمة والإصرار، ولذلك نجد في دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ) رواه أحمد. بالثبات في الأمر يعني الإصرار على تحقيق الغاية وعزيمة الرشد يعني قوة التمسك بما هو مفيد ونافع. وهذا يختصر المراد من قوّة الإرادة فهي مثابرة المرء واندفاعه للقيام بالعمل المقصود بغض النظر عن العوائق التي قد تعترض طريق إنجازه لذلك العمل.
وإنّ الطريقة المثلى للحصول على قوة الإرادة هو إرادة القوة بحد ذاتها، فلا يمكن للفرد أن يقوّي إرادته دون أن تكون لديه الرغبة في القوة نفسها.
والجدير بالذكر أن الإرادة لا يمكن أن تقوى إلّا إذا أصرّ المرء على تحقيق أهدافه وذاته.
ويمكن أن نذكر مثالاً على قوة الإرادة تبدأ برسالةٍ وضعها معلم المدرسة في جيب تلميذه الفتى الصغير، مفادها طلبه من والدة الطفل عدم إرساله للمدرسة لأنه لا يصلح للتعليم، ولما قرأتها والدته قررت أن تعلم الصبي بنفسها، واليوم لا يمكننا أن نتخيل العالم بدون اختراعاته؛ إنه المخترع الشهير “توماس أديسون”.
نعم لقد بقي أديسون في بداية حياته ثلاثة أشهر فقط في التعليم الرسمي، وكان لديه بعض الصمم وهذا الأمر كان من الممكن أن يعيقه ، لكن إيمانه بنفسه وقوة إرادته وإصرار والدته على تعليمه مهما كانت الصعوبات، كان خير مثال على أن الإرادة حليف النجاح، وأن من سعى للشيء ناله، فبالإرادة القوية يمكن التغلب على كل الصعوبات.
ورحم الله المتنبي حيث قال منوها إلى هذا المعنى:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ…
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتعظم في عين الصغير صغارها…
وتصغر في عين الكبير العظائمُ
رقم العدد ١٥٨٤٦