ملف فساد

الجماهير / بقلم حميدي هلال
” محسوبكم ” حديث عهد بتعاطي التدخين ، تجربتي عمرها ثلاث سنوات فقط ، يعني خبرتي في إدارة التدخين لا تزال ضعيفة ، ولهذا السبب و من منطلق حرصها ومتابعتها لأموري وتفاصيل حياتي اليومية بدقة متناهية ، طلبت مني ام العيال أن أضع خطة سنوية تكون على مكتبها بأقصى سرعة ، لاتخاذ اجراءات لضبط عملية استهلاكي اليومي من السجائر حفاظاً على صحتي من جهة ، ولضبط المصروف اليومي من جهة اخرى ، وهذا يهمها اكثر..!!.
وبعد دراسات ومشورات واجتماعات قدمتُ لها خطتي التي تتلخص باتخاذ صحن السجائر امامي على طاولة المكتب مؤشراً لضبط ايقاع التدخين ، لأقوم آخر الدوام بجرد محتوياته واحصاء ” الاعقاب “وعلى ضوئها أتحكم بحجم الاستهلاك واحافظ على معدل وسطي يومي ..
بقيت على هذه الحالة سنة كاملة ، اتفقد صحن السجائر أمامي ، عشر سجائر فقط باليوم ، كانت نسبة تنفيذ الخطة السنوية 150 بالمئة ، وهي نسبة معقولة تماثل أغلبية نسب الانجاز في سائر المؤسسات الحكومية !!.
الحقيقة عام كامل وسعادتي لا توصف وكنت اظن نفسي أحسن صنعا ، لكنني اكتشفت انني كنت من الاخسرين اعمالا ، وانطبق علي المثل اليمني :”من سوء تدبيري بُري أكل شعيري ” .
وصل الامر الى الجهات العليا ” أم العيال ” حيث كانت تراقبني طيلة الفترة السابقة بعد اكتشافها ان تقاريري السنوية التي أرفعها غير صحيحة ، و حجم مصروفي من التدخين يزداد يوما بعد آخر ، ما أثر على الموازنة المنزلية التي أصيبت بالعجز ، فشكلتْ ام العيال على الفور لجنة تدقيق وتقصي حقائق .
قامت اللجنة بسحب عينات من صحن السجائر ومطابقتها مع الموجودات في علبتي فوجدت عدم تطابق في الارقام ، عشر سجائر في ” المنفضة ” و ثلاث في علبة التدخين ، هناك فاقد قيمته سبع سجائر ، هذا يعني ان هناك هدراً و استجراراً غير مشروع .. هذا يعني أنني ادخن أكثر من المخطط له ، وان نسبة تنفيذ الخطة السنوية كانت وهمية ، وهناك استنزاف في الاحتياطي الاستراتيجي والخزانة العامة..؟؟!!
اللجنة حولت ملفي الى الهيئة المنزلية للرقابة والتفتيش للتحقيق الفوري معي..
بعد أسبوع انتهت التحقيقات الرسمية و صدر التقرير التفتيشي بحقي الذي تضمن توصيفا دقيقا لعدة نقاط اهمها انني أقفلت حجم استهلاك السجائر التي ادخنها في زياراتي لمكاتب الزملاء في العمل، و في الممرات ،وهذا الاستهلاك لم يسجل في كشوفاتي اليومية ، كذلك اخفيت حجم النثريات والمصاريف المستورة والمهدورة من علبة السجائر تحت بند الضيافة ، و الافراط الزائد في الاستهلاك أثناء حضوري المهرجانات الرسمية الثقافية والاقتصادية والاعلامية والصحية وحفلات الاستقبال .!! كل هذه المناسبات كنت أصرف فيها “مليارات السجائر ” سنويا نتيجة التفاعل والانفعال ببهرجاتها وكان من الاجدر بي ان اوفر هذه المليارات لزيادة ” خرجية ” الاولاد الشهرية ..!!
الخلاصة خرج التقرير بتأكيد تهمة الفساد المسندة الي بالادلة القاطعة والقرائن الموصوفة ، والبراهين الدامغة .
بكيت عندما أيقنت أن الغرق قد ادركني ورب الكعبة وخلت أنني هالك لا محالة ..!!
ملف فساد طويل عريض أصبح جاهزا على طاولة ام العيال بانتظار قرارها النهائي باعتبارها هي الجهة الوصائية علي وتمارس بحقي السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية ..
مرت أسابيع من الانتظار و الكوابيس و الرعب والخوف من اتخاذ قرار بإعفائي من مهامي و ” تكي ” لكل الاموال المنهوبة ، و ” دكي ” في غياهب السجون ، فكرت ان أهرب خارج البلد ، لكنني استخدمت ما تبقى لدي من مخزون السجائر ، دسست ” كمشة ” منها في ” جزدان ” أم العيال ، فسطرتْ حاشيتها التالية على الملف :
” للحفظ… ويبقى الموما اليه قائما على رأس عمله مؤديا واجباته الزوجية والمنزلية لعدم توفر البديل في الوقت الحاضر ” !!
من يومها أصبحت أستهلك ” كروزات ” من الدخان بلا حسيب او رقيب ، وأنام قرير العين هانيها ..!!
رقم العدد ١٥٨٤٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار