الجماهير/ حميدي هلال
زارني الأسبوع المنصرم في مكتبي بمقر الجريدة شخص رائع وجميل مفعم بالحيوية والنشاط، وقبل لحظة دخوله يفترض أنه من أصدقائي على الفيسبوك، للوهلة الأولى من اللقاء لم تسعفني الذاكرة بمطابقة صورته المحفوظة لدي في الذاكرة العشوائية في المخ والمخيخ والبصلة السيسائية، وكيف لي أن أطابق بصمة الوجه بين وجوه أكثر من 1600 صديق افتراضي قبل أن تتم عملية تصفية العدد إلى النصف؟!
بعد تلك الزيارة أصبح صديقاً واقعياً بروح ودم وحركة وهالة إيجابية ورؤية يقينية، وتواصل مباشر، وشعور إنساني، يزورني في الأسبوع غير مرة إضافة إلى التواصل الهاتفي بيننا.
أراد أن يحرض ذاكرتي فأخفى بنصف كفه لحيته الصغيرة التي نسميها ” السكسوكة ” في طريقة لطيفة فيها روح المداعبة، قال: ألم تعرفني؟؟ لم يترك لي المجال للتفكير في الإجابة، وكي يجنبني الإحراج قال: أنا من ” أصحاب الهمم ” !!
في الحقيقة لم أكن قد سمعت بهذا المصطلح من قبل، إلا عنواناً لإحدى المسرحيات المحلية لفرقة السلام المسرحية لذوي الاحتياجات الخاصة والتي تعرض عملها على مسارح حلب.
زادني الأمر تعقيداً في لحظات، ليسعفني زائري بالتعريف، إنه عبد المنعم زبيده أحد نجوم الفرقة المسرحية، وكان بصحبته الفنان القدير نديم شرباتي أحد أعضاء الفرقة أيضاً.
سررت باللقاء إلى درجة كبيرة جداً، أصحاب الهمم، وما أعظمها من همة، وما أجمله من تعبير وتسمية لتلك الفئة من الناس الرائعين! أن نقول أصحاب الهمم، وما أبلغها من لغة أمام مصطلح “أصحاب الاحتياجات الخاصة “!
قال لي ضيفي: انظر إلى ساقي، في الإشارة إلى موضع الخلل الصحي لديه، وأردف: ومع ذلك أنا أقود سيارة بطول خمسة أمتار.
تبسمت وأشرت له برأسي كي يواصل حديثه الرائع:
قال: أوقفني ” عمو الشرطي ” مرة فقلت له: أنا من أصحاب الهمم وأريد أن أركن سيارتي لدقائق .. رد عليه الشرطي: وهل في القانون شيء لحماية ما يسمى أصحاب الهمم ؟؟
ضحكنا سوية على جهل ذلك الشرطي بالقوانين السورية التي أعطت تلك الشريحة ميزات رائعة في معظم مجالات الحياة ومنها قانون السير والمرور وحجز مواقف خاصة لهم والسماح بقيادة السيارة إلى ما هنالك من تسهيلات.
بعد هذه الزيارة بدأت بالبحث عن ذلك المصطلح فوجدت أن الإمارات العربية استبدلت مصطلح “ذوي الاحتياجات الخاصة” بمسمى “أصحاب الهمم” في عام 2017، وجاء هذا المصطلح وجلب معه الكثير من التغييرات التي جعلت هذه الفئة من المجتمع أكثر سعادة وراحة، مثلها مثل أي فئة أخرى.
وفي تقديري إن مصطلح «أصحاب الهمم»، وسام قبل أن يكون تعبيراً عن فئة من الناس، وهم بالفعل كذلك، وبخاصة أنهم بالرغم من التحديات لم ينعزلوا عن مجتمعاتهم ولم ينغلقوا على أنفسهم، بل على العكس من ذلك، فحين فتحت لهم الدولة مجالات واسعة وآفاقاً رحبة، باعتبار أنهم قادرون على المساهمة بفاعلية في خدمة مجتمعاتهم، انطلقوا وحققوا نجاحات عجز عنها غيرهم، فأثبتوا أن الإعاقة ليست في الجسد، لكنها في العقل العاجز عن الفكر الصائب، الذي يأتمر الجسد بأوامره.
فهل نتبنى مصطلح ” أصحاب الهمم ” بديلاً لكل ما أطلق على تلك الشريحة المجتمعية من صفات ومسميات؟؟ أرجو ذلك.
رقم العدد 15854