الجماهير / محمد العنان
منذ نحو ربع قرن كان عدد سكان قريتي لا يتجاوز خمسة آلاف نسمة، وكانت فيها بقالية واحدة لبيع الخضار والفواكه، يلقب صاحبها بالحوت .. كبرت القرية وازداد عدد سكانها وتعددت محال السمانة وبقي الحوت متفرداً ببقاليته.
بعد سنوات حاول أحد السكان فتح بقالية ثانية في القرية ضمن حي بعيد عن البقالية الأولى، إلا أن الحوت (كسر الأسعار لديه) ولم تمض سوى أيام حتى أغلقت البقالية الجديدة أبوابها.
ثمة محاولات يائسة لأشخاص آخرين لم يفلحوا بالاستمرار فكانوا لا يلبثون أن يفتحوا بقالياتهم حتى يغلقوها، لأن الحوت (كان لهم بالمرصاد).
في أسواقنا كثير من البضائع تدخل إلى موائدنا ومطابخنا من مصدر واحد يتحكم بكمياتها وأسعارها وجودتها ورداءتها وصلاحيتها، ونحن (محكومون باستهلاكها).
فعلى الرغم من “العولمة” والمفاهيم الكثيرة التي تتحدث عن فتح الأسواق والمنافسة والاهتمام بالمستهلك وحمايته، تبقى بعض البضائع حكراً على بعض المتنفذين أو “الوكيل الحصري” وهذا ما يزيل الحصانة عن حماية المستهلك التي “يطنطن” بها الكثير من المعنيين على الدوام في حين يبقى المواطن وصغار التجار تحت رحمة هذا النبع الذي لا ينضب، (ولا ينضبّ) !!.
ذات زمان .. (ومع فارق التشبيه) قال الخليفة العباسي هارون الرشيد مخاطباً السحابة: “أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك”.
قريتي اليوم يزيد عدد سكانها على /30/ ألف نسمة وبقي الحوت متفرداً ببيع الخضار والفواكه، وبقيت بقاليته عصية على الاختراق لكل من تسول له نفسه فتح بقالية مشابهة.
رقم العدد 15858