يوم في شتاء مواطن حلبي

الجماهير – أسماء خيرو
صوت فيروز اختفى هذا الصباح ليحل محله صخب وغوغاء وصراخ يتردد مع نسيم شتاء حلب إلى نافذة كل بيت في الحي. فضول فرض علي النزول إلى الشارع حتى أرى ما يجري وما سبب هذا النسيم المحمل بالضوضاء في هذا الصباح الباكر، فإذا به “طابور” إسطوانات الغاز، فرحت أنقل طرفي بين النساء والأطفال والعجائز والشباب فاعتراني شعور مزج بين القلق والقلق بأني يمكن أن أكون في يوم ما ضمن هذا الدور ” ومن المؤكد سأكون “وأخذت أردد في قلبي، يا الله ما هذا المصير الذي آلت إليه حلب؟! قطع تفكيري أنين رجل في السبعين من العمر على ما يبدو أنه عانى من الوقوف في الدور منذ الخيوط الأولى للفجر للحصول على مكان حتى لا يكون في الرقم المئة من الدور، صوت الأنين كان يحطم الأعصاب ويكسر القلب فحاولت أن أقترب منه كي أسأله “أين؟ ومتى؟ وكيف؟” فأسكت حديثي رجل كان يدخن لفافة سجائر بعصبية شديدة بكلمة لا تسألي .. الصورة أبلغ من القول فردت عليه امرأة تتوشح شالاً صوفياً وتمسك بيدها سبحة بكلمة” الله يفرجها” وآخر تكلم وهو يحرك قدماه التي أعياها البرد وطول الانتظار بتأفف وتذمر قائلاً: متى تصل سيارة الغاز ؟وأخرى كانت تدحرج الإسطوانة بقدمها مسرعة لحجز دور، وآخر كان في خلاف على الدور قائلاً : أنا هنا حجزت هذا دوري، وما بين هذا وتلك وذاك صمت الكلام فليس هناك كلام ولم يعد يفيد السؤال فالصورة والمشهد صار الحديث لهما فالسؤال أجاب عن نفسه والكلام لا يمكن له أن يخفف المعاناة التي لمحتها في عيون هذا المواطن وذاك وتلك.
قطع هذا الصمت صوت طفل يرتجف من البرد وعراك الأصوات معلنة وصول سيارة الغاز فهذا هتف هذا دوري وذاك هتف هذا دوري وتلك هتفت إنه دوري، وبدأ توزيع إسطوانات الغاز والطابور يتحرك قليلاً ويقف طويلاً وبدأ الذين في آخر الطابور في العدد ٢٠٠ أو ٣٠٠ على ما أظن يتمتمون بعدم الحصول على جرة وفعلاً تم التوزيع للبعض والغالبية العظمى لم تحصل على إسطوانة غاز فكان الاستياء والغضب حالة انتابت كل من رجع خالي الوفاض يجر الإسطوانة ويجر معها أذيال الخيبة. وكيف يحصلون على إسطوانة غاز والالتزام بالدور هو غائب تماماً عن المشهد والمحسوبيات هم أسياد هذا المشهد وهنا حاولت أن التقط صورة للمشهد فاقترب مني رجل طويل عريض الكتفين مشيراً بكلتا يديه ممنوع التصوير متحدثاً بلهجة الأمر والنهي وكأن المنع سوف يسكت العين من أن تصف وتتحدث عن يوم في شتاء مواطن حلبي.
رقم العدد 15866

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار