عتبة الصمود ..!!

الجماهير / بقلم حميدي هلال
أسناني تصطك ببعضها، وفرائصي ترتعد من شدة البرد، وعلى أنغام ” حبك نار ” للعندليب الأسمر استحضرت لحظات حبي لأم العيال، وبدأت أشعل السيجارة تلو الأخرى، أستجدي قليلاً من الشعور بالدفء ..!!! وأنا أعلم أن من الحب ما قتل، وأن التدخين قاتل، وما أصعبها من لحظات أن تنشد الدفء من جمرة السيجارة !! “وكفى بك داء أن ترى الموت شافياً “، وأحياناً نحرق أنفسنا كي نعيش..!! لكن المتنبي في غير موضع يقول:
“هي النفس ﻣﺎ حملتها تتحمل … ﻭ للدهر أيام تجور وتعدل “.
في الخدمة الإلزامية يدربوننا على تحمل البرد، يطلب إلينا المدرب أن تكون أجسادنا العارية في حالة ارتخاء كي نستطيع التحمل، كنا نظنها عقوبة، لم نكن نعلم وقتها أن المدرب يريد أن يرفع لدينا “عتبة الألم” لتحمل المشاق.
و”عتبة الألم” مصطلح يطلق على النقطة التي يبدأ عندها الشعور بالألم.
في ظل الأزمات المتوالية التي تعصف بنا اليوم، ما أحوجنا إلى رفع عتبة الألم، وأن ندرب صغارنا على ذلك!!
وأضرب بعض الأمثلة على حالات رفع ” عتبة الألم “، إذ يحدثني صديقي عن “بسط ” الكهرباء في الحارة، كلما فصل القاطع نتيجة الضغط الهائل على استجرار الطاقة يقوم أولاد الحارة برفعه، هم في اللا إدراك يريدون أن يرفعوا “عتبة الطاقة” من خلال التحفيز الخارجي ورفع القاطع عنوة لزيادة القدرة على التحمل، وفي الأمبيرات نحقن القاطع بماء الملح لرفع عتبة الاستجرار غير المشروع.
لو جربنا أن نغمس أصبعنا في قدر ماء موضوع على نار حامية، نحاول من خلال المحفز الداخلي أن نبقيها أطول مدة في الماء الساخن، فنرفع قدرتنا على تحمل الحرارة، وكلما رفعنا عتبة الألم لدينا كلما استطعنا الإبقاء على أصبعنا في الماء الساخن.
الشعب السوري العظيم على مدى سنوات الحرب لبس الابتلاءات الخمسة “الخوف، والجوع، ونقص في الأموال والأنفس والثمرات” لم يهب المنايا، أو يستسلم لواقع فرض عليه، بل كان الصمود قدره، وقد استطاع رفع عتبة الألم لديه في كل المحن، ولولا ذلك لما استطاع تحمل تلك الابتلاءات على مدى تسع سنوات، ولا يزال يقول ” بتفرج ” !!
من هنا فإن رفع عتبة الألم نسميه بالمفهوم السوري ” الصمود “، والصمود ناتج عن الصدمة، والصدمة هي ذلك المحفز الخارجي لرفع عتبة الألم…وبالتالي رفع عتبة الصمود.
رقم العدد 15889

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار