الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
أصبح الواقع الذي نحياه بالنسبة للكثير من الشباب بعيداً عن تطلعاتهم وطموحاتهم التي قد يكون بعضها مشروعاً، فوجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي مُتنفساً لهم فراحوا يجوبون البلاد ويطّلعون على أخبار الكون وهم في غُرفهم، ولعلّ بعضاً مما وفّرته هذه الوسائل يُشكّل أرضيةً علميةً جيدة لشبابنا؛ بيد أنّا إذا ما تجاوزنا هذه الفائدة مروراً إلى حاجات الشباب النفسية ورغباتهم في هذا السن سنقف على هاويةٍ أخلاقيةٍ وشرخٍ إجتماعي وصدعٍ أُسريُ لا يمكن رأبهُ بسهولة.
لقد توجّه معظم الشباب إلا القليل لإشباع تطلعاتهم الغريزية باحثين هنا وهناك عما يمكن أن يكون بديلاً لفقرهم العاطفي في المجتمع الذي يعيشونه، لقد وجدوا ضالتهم من خلال تلك الوسائل: فمنهم من اتخذها للتواصل مع الجنس الآخر لمجرّد التسلية وتمضية الوقت ومنهم من سلك سبيل المشاهدات غير المشروعة، ومنهم من حاول البحث عن شخص لبناء علاقةٍ عاطفيةٍ ولتكون له فرصةً للسفر والمال والراحة الاجتماعية.
وفي حقيقة الأمر أن معظم تلك العلاقات العاطفية عبر وسائل التواصل تبوءُ بالفشل لكونها مبنية منذ بدايتها على الوهم فمنهم من يكذب على الآخر فيما يخص الشكل أو الوضع الإجتماعي أو التربية والأخلاق، فإذا تعارفا على أرض الواقع كانت الصدمة وكان الفشل الذريع.
وبسبب تلك العلاقات الوهمية قد ترفض الفتاة أو الشاب فرصاً مناسبةً للإرتباط في الحياة الواقعية مما يُشكل خسارةً كبيرة جداً في حياتهم.
وقد يغلق الشاب على نفسه فيحيا حياة الوهم بعيداً عن الواقع، مما يسبب له صدمةً خطيرةً إذا أراد التحول إلى واقعه.
ونلاحظ في هذه الأيام مع اتساع رقعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كيف أن الروابط الأسرية والاجتماعية بدأت تضعف ويخبو ألقها.
كيف كُنّا في أسرنا نتشارك الرأي في كل صغيرةٍ وكبيرة؟ وكيف تغير الحال فأصبح أفراد الأسرة كالغرباء في بيت واحد لا يعرف بعضهم بعضاً ولا يسأل بعضهم عن أخبار بعض إلا قليلاً!
ولم نعد نشهد تلك الرابطة الأسرية التي نشأ مجتمعنا الشرقي عليها، وانحسرت عاداتنا وتقاليدنا الرائعة عن الممارسات الفعلية.
إن الابتعاد عن الأوامر الدينية وعدم الوقوف عند حدود الشريعة والهروب من الإلتزامات الأخلاقية أدى إلى تدهور العلاقات الاجتماعية وتمزق الروابط الأسرية، مما أدى إلى أن يحتل البُعد الإلكتروني مكان البعد الإنساني.
هذا البُعد الإلكتروني المبني بمُجمَلِه على التصنُّع والكذب والخفاء والاختباء وراء المظاهر والصور والأسماء الكاذبة. إنّهُ ينبئنا بخُطورةِ الوضع الذي وصلنا إليه من اقتحام المحرمات وعدم المبالاة بالقيم والفضيلة.
فإن من الخطأ والإثم بمكان أن يعتمد البعض على وسائل التواصل في الأمور التي حرمها الله في الحياة الواقعية
فحكم الفعل في وسائل التواصل هو نفسه كالفعل في الواقع.
فالكذب فيها والغيبة والتكبر والنظر والمحرمات وغيرها من الأفعال الذميمة تحمل الإثم نفسه.
ولا يمكن التغافل عن أن وسائل التواصل الاجتماعي من أهم ما توصل إليه العلم في مجال الاتصالات غير أنها يجب أن تنضبط بضوابط الشرع فكل فعلٍ نهى عنه الشرع هو من المحرمات وكل فعلٍ دعا إليه هو من المطلوبات.
لنرتقِ بأنفسنا في استخدام كل جديدٍ لخير الفرد والمجتمع، ولنجعل منها سُبُلاً جديدةً لنشر المحبة وتعزيز كلّ فضيلة.
رقم العدد ١٥٨٩١