يوم الانتصار ..مشهد في الذاكرة ..

الجماهير/ بقلم : حميدي هلال

قبل ثلاث سنوات خلت كتبت هذا الإحساس وأنا أدخل للمرة الأولى إلى الحي الذي أسكنه بعد قرابة شهرين من تحريره وانتزاعه من أيدي الإرهابيين.
كتبت وقتها:
” بعد تهجير أربع سنوات ونيف، خالجني شعور ممزوج بالفرح حيناً وبالخوف والقلق أحياناً أخرى، رسمت تصورات عدة في مخيلتي عن هيئة بيتي كيف أصبحت بعد ذلك الغياب الطويل، ترى هل سأجد منه بقايا ركام أم سأجد شيئاً من ذكرياتي وصوري القديمة؟ أم سأجد أشياء أخرى؟ تساؤلات عدة راودتني وقد قادتني قدماي إلى ذلك الحي، حي الميسر، حيث يقع بيتي المتواضع وحيث قضيت وأسرتي أجمل أيام حياتي.
شعرت بطول الطريق رغم قصره، لكن قدماي لم تملا والتهمتا الطريق دون كلل، وكلما اقتربت من المكان ازداد شعوري بالقلق وقد رحت أتفحص ما حولي من أبنية ومدارس ومرافق حكومية وشوارع وأرصفة وأسواق شعبية وقد تحولت إلى بقايا ركام وأنقاض بفعل المجموعات الإرهابية المجرمة.
رحت أبحث عن عنواني بين الركام، أضعت الطريق والعنوان، لم تعد البيوت كما كانت، الكل مشوه، محطم، ومجهول المعالم، اقتربت من تجمع المدارس التي أجاورها، تعرفت على بقايا منها، لم تعد مدارس، جدران محطمة وبضعة أسقف ملئت بشعارات المسلحين عن الحرية والديمقراطية وما شابهها من شعارات فارغة خادعة، خطر ببالي كيف كانت تضج بالحركة، وكيف دخلت أول مرة إليها لأسجل أولادي حيث درسوا فيها ما يقارب 4 سنوات.
وأنا أمر بين الركام وقد سدت الشوارع بالمتاريس والدشم والباصات المكسرة التي كان يختبئ فيها الإرهابيون كالجرذان رحت أبحث عن وجوه البشر علني أتعرف على أحد من جيراني القدامى كي أستأنس به، شاهدت في طريقي عدداً من شاحنات الإسكان العسكري وبعض الآليات التي شرعت بإزالة الأنقاض وفتح الشوارع المغلقة تمهيداً لمرور المركبات وباصات النقل الداخلي والأهالي، هناك أعداد قليلة من المحال قد فتحت أبوابها بعد أن قام أصحابها بترميمها على عجل، وكذلك بعض المنازل والأبنية، هناك رجل وطفل، ومرت بجانبي امرأة تحمل بعض الأغراض المنزلية، وشاهدت آخرين وقد تسلقوا الجدران وبدؤوا بترميمها.
في الحقيقة تلك المناظر الجميلة بعثت في روحي الأمل وقد شعرت أن هذا الحي بدأت تدب فيه الحياة شيئاً فشيئاً وبدأت الروح تسري في هذا الحي بأهله وناسه.
وقفت تحت ذلك البناء، يشبه البناء الذي كنت أسكنه، نظرت حولي لأتأكد من المعالم، هذه بقايا جامع أبو بكر الصديق، وذلك المخبز الذي طالما كان مزدحماً، شعرت برائحة الخبز تنبعث من بين أحجاره، تأكدت من ذلك البناء، هو نفسه وذاك بيتي في الطابق الأول لم يتضرر كثيراً، تفاءلت بسهولة إعادة إعماره، سمعت صوت أطفال في الطابق الرابع، صرخت منادياً، خرج إلي جاري من الشرفة وقد تفاجأ بعودتي، فتح لي باب البناء الذي كان مقفلاً بإحكام، تصافحنا بحرارة وبكينا واستذكرنا الأيام الخوالي، صعدت معه إلى بيتي، كان خاوياً من كل شيء إلا من بقايا ركام الجبس وبعض الأثاث المكسور، سألته عن الجيران القدامى، منهم من رآه منذ مدة قريبة ومنهم من توفي منذ سنوات ومنهم من هاجر إلى خارج القطر ..
المهم عادت إلي الروح، وقلت له مودعاً: طالما أنت موجود وأنا موجود والكثير من أبناء الحي باتوا يعودون شيئاً فشيئاً فسوف تعود الحياة إلى هذا الحي فإرادة الحياة تغلب اليأس وتبعث الأمل.
اليوم أستعيد هذا المشهد وقد عادت الحياة فعلاً إلى ذلك الحي وأحياء حلب كلها التي عانت يوماً من كابوس الإرهاب، عادت وكأنهم لم يمروا يوماً من هنا، آثارهم محوناها ” إلا من الذاكرة ” لنبني الأمل على أنقاض الألم.
تحية لبواسل جيشنا البطل، والرحمة والخلود لأرواح الشهداء الطاهرة، ولولا تضحياتهم لما احتفلنا بهذا اليوم، يوم الانتصار على الإرهاب.
رقم العدد 15896

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار