أسطورة أهل حلب

الجماهير- بيانكا ماضيّة

تعيش حلب هذه الأيام ذكرى انتصارها على الإرهاب، ذكرى تحريرها من شرور إرهابيين خرجوا ذليلين مطأطئي الرأس من أرضها. ففي مثل هذا اليوم عانقت السماء الأرض بفيض نورها، وأشرقت شمس النصر الذي نال من خلاله أهل هذه المدينة حريتهم من رجس هؤلاء وبطشهم وإرهابهم ودمويّتهم.
ما يميز أهل حلب عبر التاريخ، نهوضهم من تحت الرماد، كطائر الفينيق، إنهم ينفضون عن أنفسهم رماد الحرب، ويبدؤون حياة جديدة، يعيدون إعمار ما تهدّم من بيوتهم وأرواحهم، فهم، عبر تاريخ هذه المدينة، لم تمتهم الحروب ولم تجعلهم يائسين مما حلّ بهم من ويلات وكوارث، وهنا تكون الإرادة، ويكون الإنسان الحر المنتمي لأرضه، وبالرغم من أن طائر الفينيق أسطورة، إلا أن أهل حلب أثبتوا أسطورتهم الخالدة، وهي أسطورة كل إنسان ذي إرادة وقوة وكرامة، إنسان الحقيقة والواقع، الصلب أمام ضربات الزمان وأعاصيره، القوي في وجه العواصف، غير المنحني وغير المنكسر، ولكنه حين يحترق يخرج من نار حزنه وألمه قوياً صلباً.. كالفينيق كان أهل حلب، وكالفينيق انبعثوا من الرماد.
ثلاث سنوات مضت على انتصار حلب، وفي كل عام نجد أهل هذه المدينة يسعون إلى إعادة الإعمار، ومذ أول يوم لاندحار الإرهابيين الرعاع، بدأ الجميع بترتيب أولويات حياتهم، وبدأت المؤسسات تستعيد عافيتها ونشاطها، مع العلم أن هناك العديد من المؤسسات لم تتوقف فعالياتها ونشاطاتها طيلة أيام الحرب، بالرغم من الصعوبات التي قد تحول بينها وبين تنفيذ هذه الفعاليات، ولكن أهل حلب لا يعرفون المستحيل، حتى في أيام الحرب ابتكروا ما يعينهم على تخطي الصعاب التي داهمتهم من كل حدب وصوب..
كثيرة هي الأحداث التي لا يمكن للمرء أن ينساها، والتي عانى منها أهل حلب، وحين يستذكرون تلك الأحداث يقولون (تنذكر وما تنعاد) لشدة إحساسهم بوطأتها عليهم..
نعم.. (تنذكر وما تنعاد) تلك الليالي التي لم ينم فيها أهل حلب، تلك الأيام التي ذاقوا فيها الأمرّين، تلك الأحداث الدموية التي لم يسجل لها مثيل في تاريخ البشرية..
رحم الله أرواح الشهداء من رجال الجيش العربي السوري وقواته الرديفة، هؤلاء الذين قدموا أغلى ما لديهم في سبيل تحرير المدينة، ورحم الله المدنيين الذين طالتهم قذائف الموت والإرهاب وهم يصارعون الحياة من أجل البقاء. طوبى لكل الأرواح التي سقت أرض هذا الوطن ليبقى شامخاً شموخ قلاعه، وطوبى لكل يد تعيد اليوم إعماره من جديد ليستعيد قوته وازدهاره.
رقم العدد 15898