الجماهير / بقلم حميدي هلال
في مقام سابق قلت أن الفساد عرض لمرض ، ارتفاع درجة حرارة الجسم عرض لمرض سيزول بزوال العلة.
هذا الفساد الذي ينتشر في البلاد ، ويثقل على العباد ، يقوم على ركنين أساسيين هما المؤسسة و من يديرها .
” رصاصة الرحمة ” أو ” الموت الرحيم ” مفهوم لم يعد يقتصر على إنهاء حياة المرضى الذين يصارعون الألم و يستحيل شفاؤهم ، بل تعداه الى إنهاء أي أمر أو شيء ميؤوس من إصلاحه وصل لمرحلة تكون نهايته أفضل من بقائه .
المصطلح تطور وتجلى في سورية ليشمل فرط عقد مؤسسات كاملة ، ثبت عدم جدواها وعقم نفعها ، وعبء حملها ، وهذا الإنجاز يشكل بذوراً صغيرة يمكن أن تثمر في معالجة الفساد .. وقد أُطلقت الرصاصة الأولى على العديد من المفاصل المؤسساتية ، الشركات الخاسرة ، القطاعات العامة ، الاتحادات والنقابات ،تم تفعيل الموت الرحيم بحقها…وهناك العديد من مثلها ” فمنهم من قضى ، ومنهم من ينتظر ..!!” و تم أيضاً تفكيك وزارات ودمجها مع أخرى .
هذا على صعيد الهيكلية والكيانات الإدارية فما بال ممن تولوا إداراتها ..؟؟ بالتأكيد مديرو تلك المؤسسات ليسوا على سوية واحدة ، فمنهم من رفع البنيان ، ومنهم من هدمه على رؤوس عماله بسبب فساده ، وهذا النوع من المديرين يعاني من هشاشة الضمير ، و شره المال والسلطة ، وقد استوجب رصاصة الرحمة .
والنوع الآخر منهم يعاني مشاكل على مستوى الثقة بالنفس ، ضعيف الإرادة و الإدارة ، وربما حتى أسرته ضاقت به ذرعا ، ولا أبالغ إن قلت حتى جسده تعب في حمله ، وقد استحق الموت الرحيم عن جدارة ، مع شهادة تقدير لجهوده المبذولة في سوء الإدارة ..!!
اختيار قادة جيدين أمر صعب بلا شك ، فكثيرا ما نشكو من تدني أداء من يديرون الشركات أو المؤسسات ، ونتحسر على عدم كفاءتهم ولا مبالاتهم وافتقارهم للقدرة على التعامل مع المشكلات.
بكل أسف ، عندما نحاول التخلص من الفاشلين، أو الفاسدين ، فإننا نكرر اختيار نفس النماذج، أو نجري عملية تجميل أو إعادة تدوير للمنتج نفسه، وكأن الشخص الواحد يتسم بالفشل والنجاح في آن معاً ، يفشل في مكان وينجح في مكان آخر ..!! أو صالح في موضع وفاسد في موضع آخر ، فنجد أنفسنا وقد عدنا إلى نقطة الصفر ، فلماذا يحدث هذا؟ لماذا لا نحسن اختيار قياديين فعالين ..؟
هذا يقودنا لمراجعة الآلية المتبعة في انتقاء المديرين وسواهم، و عدم الاقتصار على مراعاة الجانب العلمي وكفاءة الاختصاص ، فلابد من الأخذ بعين الاعتبار مواصفات أي قيادي، فكم من متخصص عبقري يفتقر إلى روح القيادة و عدم التمكن من الإمساك بها ، فيتعثر ويَغرق ويُغرق المركب معه .
وكذلك معايير الاستقامة الأخلاقية لا تكفي أيضاً لوحدها في اختيار ” القادة ” ، مهذب ، خلوق ، خجول ، هي مواصفات تصلح فقط في أمكنة معينة.
اذا ” القيادة ” تتطلب مراعاة الكفاءة في الاختصاص ، والصفات الأخلاقية ، أو الاستقامة ، وكاريزما الإدارة ، وكلها تشكل مجتمعة نقاط قوة في المرشح .
مع الأخذ بعين الاعتبار أن السمات السابقة لا تعرب عن نفسها بسهولة ، فهناك من يدعيها، وهناك من يصطنعها، وهناك من يمتلكها ولا يعرب عنها ، و العثور على تلك الفئة الأخيرة ” المهمشة ” ليس بالأمر السهل ، و لا بد من التنقيب عنهم بجهود مضاعفة وصبر طويل ، لأنهم في الغالب ، مغيبون عن سابق إصرار ، جرفهم تيار الفساد ، ولا بد من نفض الغبار عنهم ، وطبع قبلة الحياة على جباههم .
أخيراً وليس آخراً، يجب على من لديهم سلطة اختيار المديرين أن يدركوا أهمية هذا الاختيار وأن يتحلوا بالموضوعية والشفافية ويستشعروا ضمائرهم عند الاختيار الذي سيؤثر بشدة في حياة الكثيرين ، فأي مؤسسة ستهوي حتماً إذا اعتلى فاسدوها القيادة .
رقم العدد ١٥٩١٥