حكاية وطن ..

الجماهير / جراح عدرة

عندما كنت صغيرة سألت أمي عن معنى الوطن قالت لي : هو حب المدرسة والذهاب إليها وتلقي العلم .
وبعدما تجاوزت المرحلة الإبتدائية عاودت سؤالها : بالله عليك ما معنى وطن ..؟ فقالت : هوحصولك على الشهادة الإعدادية التي أتمنى أن تنالينها و بمعدل جيد وبعد حصولي على الشهادة الإعدادية قلت لها : أحقا يا أمي هذا معنى الوطن ..؟ قالت : لا يا ابنتي يجب عليك أيضاً الحصول على الشهادة الثانوية ومن ثم التسجيل في الجامعة و الجلوس على مدرجاتها المعطرة برائحة المعرفة والعلم وحب الوطن.
حقاً درست في الجامعة وكنت كل يوم أذهب لتلقي المحاضرات وكل همي أن أتخرج وأحقق حلم أمي دون أن أدرك ما تود الوصول إليه وما الذي تقصده.
فقلت لها لقد أنتهيت من تحقيق كل ما تبغينه لي ولم أفهم مرادك يا أماه.!!؟
قالت لي يا ابنتي عليك أن تكوني أنت وأخوتك يد واحدة في كل المواقف واللحظات وكلما رأيتيهم سلمي عليهم وعانقيهم بعمق ، فيوماً ما ستدركين معنى وقيمة الوطن .
لم أفهم ماتعنيه تلك المرأة المشبعة أحكام وتفكير وغرابة في التفسير وما تود دررها وأحكامها الوصول إليه ، و لكنني استودعت توجيهاتها ومبادئها في متحف عقلي الباطني فربما أفهم المقصود لاحقآ.
حتى جاء ذلك اليوم الغابر وتكالبت الوحوش الغادرة على وطني فدمروا مدرستي ومزقوا كتبي وهدموا جامعتي وبعثروا شهاداتي .
شيء ما يتحرك في مخيلتي كلمات أمي نصائحها .. تمر بسرعة كتيار كهربائي قد أيقظ الوطن في داخلي .
ركضت لأحتضن مدرستي وجامعتي وكتبي وشهاداتي لم ألحق كل شيئ قد دمر وعدت إلى الوراء لأبحث عن أخويّا فإذا بهما قد أرتديا بزتيهما اللتين تشبهان عيني الوطن واحتضن كل منهما بندقية شامخة كشموخ النسر الذي لا يهاب المحن. أسرعت لأحتضنهما وأودعهما وأقبلهما لم أستطع فقد سبقتني رصاصات الأعداء الماكرة فإذا بهما قد سقطا شهيدين أمام مدرستي وجامعتي وكتبي …
دمر الأعداء مدرستي وجامعتي وشهاداتي ولكنهم لم يستطيعوا تدمير عشق الوطن وحب الوطن.
ها هي دماء أخويّ ودماء جميع شهداء الجيش العربي السوري تشهد على ذلك..
حينها أيقنت يا أمي مفهوم الوطن و نصائحكِ لم تذهب سدى فقد أيقظ الحنين لمدرستي وجامعتي وشهاداتي وعناق إخوتي كل حرف منك في ذاكرتي مترجماً لهفتي ولهفة أخويّ ولهفة كل شهيد وجريح وجندي سوري بطل في الدفاع عن الكرامة برواية عظيمة لا ترويها إلا الأمهات السوريات ؟ عنوانها ” وطن “.
رقم العدد ١٥٩٢٥