رائحةُ بارودهم وطن

الجماهير- بيانكا ماضيّة
ويَكتبون ملحمةَ البطولة في المدينة التي كلُّ الدروب توصل إليها، لكن دربَ الحب هو الأقصر..هاهي مدينة الفستقِ والغارِ العابق في الأرجاء، مدينة الذين ساروا على درب إخلاصهم ليصلوا إليها.. سبيلُهم سيف الدولة، وخيلٌ ومشهدٌ وبستان.. يكتبون سفراً من قلاع، بين سطوره غيرُ معنى وشهيد. حروفُهم أبجديةٌ حلبيّة أنى لمن لا يفكّ الحروفَ أن يعيها، أنّى لمن يغلي الفحيحَ في دمه أن يقرأها.
ملحمةٌ وطنية يكتبها صنّاعُ النصر الذي طالما انتظرته مدينةُ البهاء، هؤلاء الذين حملوا علمَ دمهم على أيديهم، حملوا حبَّ ترابهم فوق هامة القلعة.. هؤلاء من نشتمُّ عطرَ هوائهم وهم يسبحون في الفضاء، ينثرون برداً وسلاماً على أفئدة محبيها، وناراً تتلظى في قلوب أعدائها.. إنا نسمع سيمفونيات العشق من هؤلاء العاشقين لرايات النصر وهم يطفئون حريقَ حسدٍ، ويلهبون نار أجسادِ الذين كفروا بحبّها..يرابطون خلف متاريس هُيامهم..يعيدون للتاريخ الألق الغابر.. هؤلاء من يزرعون شتلاتِ الحبق بعد أن يطهّروا الغبارَ من الكره والكفر.. عطرُهم دمٌ.. ورائحة بارودهم وطن..
ولنا معهم ألفُ صفحةٍ وصفحة، وأيامٌ لا تُمحى من ذاكرة المدينة، ولنا معهم سنوات ورايات واستبسال، وهم يسطرّون دقاتِ النصر على عقاربِ الزمن..
وأبجديةُ عطرٍ يكتبونها، أبجديةٌ سوريةٌ تعصى على من لا يفقه الأبجديات أن يعلم بأيِّ حبرٍ تُكتب، سورية لك المجد الحقيقي فأنت الحرفُ وأنت المعنى وأنت الضياء..
وهذا موقفٌ ووطن.. ويظنّ أعداؤنا أن الوطنَ شخصٌ نحبّه أو نكرهه، وأنه أحجارٌ نقشنا فقط أسماءنا عليها، وأنه شوارعٌ مشينا تحت ظلالِ شبابيكها في كلِّ فصول الحب، وأنه همساتٌ ننسى تفاصيلَها الرقيقة، وأنه هواءٌ وقمرٌ وشجر، وشمسٌ نراها كما يرونها في غيرِ سماء وحسب، ولا يدركون أنه ماضٍ وحاضرٌ ومستقبل، أنه ذكرياتٌ وطفولة، أنه عطرُ انتماءٍ، ودمٌ بلون العلم يطهّر ترابَها، فطوبى للشهداء، وطوبى للمرابطين خلف قلوبهم العاشقة، وطوبى لكل يدٍ تنثر الورد في سماء هذي البلاد.
إنّ هذي الأرض لنا.. فلمّوا أشياءكم المحترقة وارحلوا يامن دنّستم طهرَها بكفرِكم، آن أوان احتفالها بنصرها وآن أن تلبس رداءَ عرسها، هذي المكلّلة بالبهاء.
رقم العدد ١٥٩٣٣

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار