إنه فجر حلب!

 

الجماهير- بيانكا ماضيّة

ضبابٌ ورعدٌ وبرقٌ سوريّ كان يُرى ويُسمع في أفق حلب في الأمس.. ولحنٌ يهز السامع (أنت الجيش العربي السوري.. وطن.. شرف.. إخلاص).. تتوالى القذائف والضربات والصدى يذهب في فضاء آخر.. (الله أكبر) وتتشابك الأصوات وتعلو المعنويات حتى السماء..وتُسحق أجساد ويدوّي الفضاء بمعزوفات النصر الذي ليس لألحانه مقامات مشابهة..
ومن نافذة في عمق الجراح كان الفضاء واسعاً وصوت الرصاص يئزّ في الشوارع التي لم يعد للطير فيها سطح يزغرد من على ضفافه. كان الركام يملأ المدينة والقلوب، والأفق الذي ارتهن لرصاصة كان سوداوي الطلعة..
تتذكر كلّ الجنود الأصدقاء.. وكلّ الجنود الذين كانت بنادقهم صديقاتٍ لك ولهم.. وتتذكر كل تفاصيل الاستشهاد التي لاترقى إليها ملاحم.. كأن كل أصدقائك الذين ماعادت حروفهم تصل إليك كانوا يدركون مصيرهم المشرّف..كانوا يجعلونك تعتاد غيابهم كيلا يصدمك الرحيل الأخير.. تبكي وتفخر.. وتعانق بقية من صمد ومازال يطلق رصاصاته في وجه الكفر.. كؤوس من دم كانت تلمع على موائد العشاء الأخير.. هذا هو الدم.. دم العهد الجديد الذي يهرق من أجل الخلاص.. هذا هو الجسد الذي يقدّم من أجل أن يعود السلام!!..
جنود يحملون بنادقهم على أكتافهم خلف الوديان.. وإشارة نصر ترفرف فوق التلال..تحييهم.. البندقية مصوّبة.. وأزقة ضيّقة ودخان وضباب.. وقبلة على خدّ طفل صغير.. تقبّله أنت الآخر.. وصورة ذاك الطفل الشقيّ لاتفارق مخيلتك.. عيناه تلمعان فرحاً وحبوراً.. ووردات بلون الدم.. وزغاريد على الشرفات… وقبلات أمّ على جبين ابنها.. طائرات تزغرد في الفضاء.. تخترق جدار كل الأصوات.. ومروحيّات ومروحيّات.. ظلالُها ترفرف على علم وطنك.. انفجار ونيران ودخان وغبار يتطاير في الهواء..
وانتصرت حلب!..فأيّ شعر يطال النجوم التي تلمع على أكتاف الجنود؟! أيّ حروف تضاهي بمعانيها تلك المعاني التي نثروها في فضاء المدينة؟! صور وصور رحت تعيد تذكرها لتزرع فوق أجداثهم وروداً ورياحين في عيد متجدد..في نصر كتب بالدم الطهور… المدينة التي كنت تبكي أهلَها وحجرها وكلَّ نسمة فيها.. لاشيء يزلزلها.. تاريخها العابر للأزمنة يخبرك بهذا..تلك حلب يابن القلعة الشهباء، أفقها اليوم مجلجل بالضحكات.. فخلف الأكمات لايكون إلا ماهو عابر للتوقعات. إنه منطق المدينة، إنها السيرورة والصيرورة إلى ألوان تكتمل تشكيلاتها.. هاهو الصباح يبشّر بفجر آخر للمدينة..
نوافذ مفتوحة.. وأبواب تطلق بشائر فرحها.. وأنت ترقص على ألحان كل الأغاني.. تتمايل ذات اليمين وذات الشمال.. تحرّك أكتافك.. جسدك كلّه يلتفّ. يدور… ذراعاك في الأعلى سابحتان في الهواء الطلق.. بحر جنونك تتلاطم أمواجه.. جندي ضاحك يقدّم تحية العز والشرف، يضحك من أعماق وطنه، كم تبجّل ضحكته، كم تعشق خطواته في مدينتك، صيحات وهتافات، والعلم ذو النجمتين يرقص، يرفرف كما لم يرفرف يوماً… الروح تخفق.. وتخفق وتخفق.. إنه فجر حلب!.
رقم العدد ١٥٩٥٤

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار