جبر الخواطر

بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

حاجتنا ماسة في هذا الزمان إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وجبر خواطرهم؛ ذلك أن أصحاب القلوب المنكسرة قد تزايدت أعدادهم، نظرًا لتلك المعاناه التي يقاسيها شعبنا العظيم. في هذا الأيام.
يصف البعض جبر الخواطر بأنه عبادة لعظيم أثره في النفوس، ولأهمية الإتصاف به فإن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، إذ الشعور بالآخرين من الصفات التي تجعل الإنسان يسعى جاهداً لجبر الخواطر عند تعرضهم للأذى أو الشعور بالضيق، وهو من محاسن الأخلاق، ما أجمل أن نتصف به في حياتنا.
جبر الخاطر لا يحتاج سوى إلى كلمة طيبة أو دعوة صادقة، وربما يحتاج ابتسامةٍ فقط.
لذلك ورد في الأثر قولهم: (ما عُبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر)، وكان من توجيهات الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، جبر الخواطر ففي قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} سورة الضحى9-10 ، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل مع الآخرين.
وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب فعن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير فكان إذا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير -طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به” رواه مسلم.
فما أحسن أن تُجبر الخواطر، كأن نشتري من بائع متجول في شدة البرد يضطر للوقوف في قارعة الطريق باحثاً عن رزقه مساعدة له وجبرًا لخاطره، وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصًا عندما نعلم أن خطئه غير مقصود، وما أرقى أن نواسي من وقع في ضيقٍ أو اعتراه موقف مسيء.
إننا إن فعلنا ذلك سنغرس في نفوس الناس كل خير، إذ أن الذي يُجٔبَرُ بخاطره لا ينسى هذا الموقف التي شكلت سنداً له في لحظات الإنكسار، ومما ورد في هذا السياق أنه دخلتِ امرأةٌ منَ الأنصارِ علىٰ أم المؤمنين الصدّيقة عائشة رضيَ الله عنها في حادثةِ الإفكِ وبكَتۡ معَها كثيرًا دونَ أنۡ تنطِقَ بكلمَةٍ ..! قالتۡ عائشةُ رضيَ الله عنها:(لا أنساها لها) .
وعندَما تابَ الله علىٰ الصحابي كعبِ بنُ مالكٍ رضيَ الله عنه بعدَما تخلَّفَ عنۡ معركة (تبوكَ) دخلَ المسجِدَ مستَبشرًا، فقامَ إليه الصحابي طلحة رضيَ الله عنه يهروِلُ واحتَضنَه وبارك له توبته قالَ كعبُ رضي الله عنه: (لا أنساها لطلحَة) .
إن جبر الخواطر من أعظم الأخلاق التي ترتقي بالمجتمع وتجعله متماسكاً، فلنجتهد في إظهار هذا الخلق ممارسةً عمليةً في حياتنا.
رقم العدد ١٥٩٥٨

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار