تأمّلات في زمن الرُّوَيْبِضَة

 

بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

دار الزمـان علـى الإنسـان وانقلبَـتْ…
كـــلُّ الـمـوازيـن واخـتـلَّـتْ بمُـسـتـنـدِ
وأتفـهُ النـاس يقضـي فـي مصالحهـمْ…
فعلَ الرويبضةِ المذكورِ في السنَـدِ
وكـم فصـيـحٍ أمــات الجـهـلُ حُجَّـتَـهُ…
وكـم صفيـقٍ لــهُ الأسـمـاعُ فــي رَغَــد
ِ
في وطنٍ نعيشُ فيه ونشهد مع أبناءه صبراً مباركاً، وبسالةً من جيشٍ عظيم، وحكمةً من قائدٍ مؤمن يقودُ بنا السفينة لنصل إلى بر الأمان وليعود بنا إلى تلك الأمجاد التي بناها قبل المؤامرة الكونية على وطننا.
في هذا الجو المشحون بالتحديات لا بدّ أن ننبّه على أولئك الذين يصطادون في الماء العكر، ويتسلقون القمم في أثناء كفاح العظماء.
عندما يصلُ الشخص إلى موقع المسؤولية المؤسساتية ويصبحُ ذو كلمةٍ مسموعةٍ ومؤثرةٍ على الناس، يقرر في قضايا معاشهم ويوجّهُهم في حياتهم، وهو الذي يتّصف بعدم القدرة على الخوض في الأمور الحاسمة والكبيرة، ولا يملك من الأمر شيئاً، ذلك الذي كان في الأوقات الحاسمة يفضّل التزام بيته عن الاختلاط في الناس والمساهمة في مساعدتهم، عندما يتبوّأ صاحبُ هذا الوصفَ درجات متقدّمة في السُّلّم الإداري المؤسساتي أو الوظيفي يُعطينا مؤشراً أن الفساد أصبح في أوجِهِ، ويكون قد تحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ) رواه ابن ماجة.
ومعنى كلمة الرويبضة هو تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربَض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، فهو لا يحملُ مقوّمات العلم ولا يستطيعُ تحمّل المسؤولية، هو الذي لا ينفع ويمنعُ النفعُ من الوصول لأهله.
وهذا الحديث النبويُّ يعدُّ معجزة عظيمة، وواقع الأمة شاهد على ذلك، فإذا تأملنا ما آل إليه الحال ووصل إليه العملُ في تفاصيل بعض المؤسسات ومفاصِلها سنعلمُ يقيناً معنى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه سلم، فلقد صدق في مؤسساتنا ومجتمعاتنا الكاذب، وكُذِّب الصادق، وتكَلّم الرويبضة في قضايا الأمة العامة.
لقد رأينا زماناً كثرت فيه الفتن، وعَظُمت فيه المحن، وزادت فيه البلايا، وفاضت فيه الرزايا، إنه زمان الرويبضات التي ملأت الدنيا ظلماً، لقد ساد في الكثير من الوظائف المُتسلق، وقيل للحق باطل، وللباطل حق.
هذا الوقت الذي برز فيه الرويبضة ليُشكك الناس في قيم الفضيلة.
والحقيقة أن الرويبضة لم يظهر على مستوى الوظائف فحسب بل رأينا ظهوره على مستوى العالم فقد ظهر ترمب تلك الشخصية الفارغة، التي تحاول أن تتحكم بالعظماء من شرفاء العالم ومقاوميه، ولكن هيهات.
إن الرويبضة شخصٌ ليس لديه علم ولا خبرة، مُدّعي بأنَّ أمر الناس يهمه، وأنّهُ يُطالب بالحق والعدل، وأنّهُ ذو تقوى وحقيقته أنه حريصٌ على أهوائه، دون الاكتراث لغيره.
الرويبضة شخصٌ يتفنن في إيجاد مخرج دوماً لفساده وفساد حاشيته، كما أنّه يقوّم الخير على الشرِّ، وينصُرُ الباطل على الحق.
الرويبضة منهجه الكذب، وشعاره التدليس، لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، فهو صاحب الشيطان، عاصٍ للرحمن.
الرويبضة: شخص لا يعرف، ويعرف أنه لا يعرف، ومع ذلك يتحدث في الشأن العام.
وللتخلّص من الرويبضة في مؤسساتنا لا بدَّ بأن يكون هناك رقابة واعية ونزيهة تضع كل إنسانٍ في مكانه وتحاسب كل مخطئ على خطئه، فالوطنُ يستحقُّ من أبنائه الوفاء.
رقم العدد ١٥٩٧٠

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار