الخمسون ليرة .. متلازمة العيش المضني..!؟

الجماهير – أسماء خيرو
وتعود ” الخمسون ليرة ” لتكون مثار جدل ساخن في الشارع الحلبي بعد أن أعلنت عن هدنه مؤقته لبرهة من الزمن وفر في حينها البنك المركزي الخمسون ليرة كحل مؤقت ولكن من الواضح أن هذه الهدنة إن صح التعبير التي حظي بها المواطن لفترة من الزمن هي كباقي الهدن التي لم تفلح جميعها بأن تجد حلاً جذريا للأزمات التي أصابته بدءاً من الغاز والمازوت والأمبيرات والأسعار الملتهبة وصولاً إلى البطاقة الذكية التي يجب أن نضعها بين قوسين ونشد على يدها ونصفق لها ونبارك بحرارة لأنها بالفعل ذكية جداً جعلت المواطن يدور في حلقات مفرغة ويقف في طوابير لاتنتهي .
المهم لنعود إلى شاغلة الأحاديث اليومية “الخمسون ليرة “والتي هي تعد أحد الأعراض العديدة لمتلازمة العيش المضني التي أصابت المواطن منذ بدء الأزمة حتى وقتنا هذا فما أن تطأ قدم المواطن السرفيس أو باصات النقل العام وبعد أن يجلس على المقعد ويحاول إعطاء السائق نقود من فئة المئة أو المئتين أو من أي فئة أخرى بحوزتة إلا وتلفح هذا المواطن على الفور ودون أي تردد ريح ساخنه من الغضب ينفثها السائق في وجهه محملا إياها بجمل وأسئلة مجهولة الجواب ” مافي فراطة” ” معك خمسين ” ألا تفهم لقد قلت : الذي لايملك الخمسون ليرة لايصعد ” لماذا صعدت ؟ لماذا لاتصدقوني ليس بحوزتي خمسون ليرة ؟ من أين آتي للجميع بخمسون ليرة والبنك المركزي لم يصرف لي أية نقود؟ وهكذا يظل ينفث وينفث في وجه هذا المواطن المسكين الذي لاحول له ولاقوة بوابل من الجمل النارية كتنين من القصص الخيالية ليحيل وسيلة النقل إلى ميدان للحوار الشعبي تتراكض فيها الكلمات وتتسابق فيها الألفاظ وتتقاذف فيه العبارات، فرجل هناك في المقعد الخلفي يتأبط حقيبة سوداء يسرد حكاية عن غبن حق ابنته وجشع السائق في أحد السرافيس فهي على حد قوله: دفعت للسائق ٤٠ ليرة ولم تعجب السائق وأخذ عوضا عنها المئة ليرة كاملة .
فيما السيدة التي بصحبة أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة تطالب بتهكم السائق كي يعيد لها بقية النقود ولكن دون رجاء “لاحياة لمن تنادي ” وطالب جامعي يضع السماعات في أذنية يجول بنظره بين الركاب متفاديا كلامهم بعدم اهتمام يركز نظره على السائق بغية أن تعود له بقية المئة ليرة ولكن هيهات كلام العيون خاصة في هذا الموقف لانفع منه ، ورجل يرتدي معطفا جلديا ويمسك بيده أكياس خضار يحاور السائق بكلام ناعم على خلاف المرأة المتهكمة عسى أن يلق كلامه المعسول أذنا صاغية ولكنه يدرك بعدم الوصول لنتيجة فيتقاسم المئة مع من يجاوره في المقعد ناهيك عن ذلك الشاب الصامت الذي ينظر من الشباك متأملا أن لايكون مصيرة كبقية من في السرفيس والذي وصل لوجهته وعند نزوله يشير إلى السائق بأنه لايريد الفراطة آخذاً “حسبه الله ” .
وهكذا تتعاقب الزبائن في الهبوط والصعود كتعاقب الليل والنهار منهم من فوض أمره لله ومنهم من وضع الشر بين عينية وقذف السائق بالكلام القاسي ومنهم من تهكم بصمت ومنهم من أزبد وأرعد واستشاط غيظا دون فائدة ، ومنهم من ترك المئة ليرة خجلاً ومنهم من آثر عدم الصعود إلى السرفيس والمشي على أن يغبن حقه والقليل القليل منهم من حصل على الخمسون ليرة لينعم بها للحظة من الوقت لأنه من المؤكد في اليوم التالي سيتشارك مع من سبقوه وتصيبه أحد أعراض متلازمة العيش المضني.
رقم العدد 15973

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار