هل صحيح أن كتابات “ميكيافيلي” هي ملهمة “هتلر”!

الجماهير / د. سعـد بساطة
نيكولو ميكيافيلي مؤسس التنظير السياسي الواقعي، والذي أصبح عصب دراسات العلم السياسي. كتب أشهر مؤلفاتـه على الإطلاق “الأمير”، بمثابة نصائح لـلحاكم ، نُشرَ بعـد موته، وأيد فيه فكرة “أن: ماهو مفيد فهو ضروري”، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية.
ولد في فلورنسا لمحامٍ من أسرة عريقة؛ وشب في عهد أمير مديشي .لم يتلق تعليماً واسعاً لكنه أظهر ذكاءً حاداً. اتبع ببداية الأمر رجل الدين الإيطالي سافونارولا الذي كان يخاطب داعياً الشباب الإيطالي للتمسك بالفضيلة، لكن ميكيافيلي كان رجلاً سياسياً يسعى لفصل الدين عن السلطة. ويذهب المفكرون بأن لـه دوراً مهماً في تطوير الفكر السياسي، لتجاوز الفكر الديني.
كان يستيقظ مبكراً ويخرج إلى الغابة يتحدث للحطابين ويتبادل معهم الأقاويل والشائعات ثم يذهب إلى أحد التلال وحيدًا، وهناك يقرأ “لدانتي أو شيراك أو تبيولوس أو أفيد”. وبعد أن يتناول غداءً خفيفًا، يمضي إلى الحانة فيتحدث مع الطحان والقصاب وبعض البنائين، ويقضي معهم طيلة فترة الظهيرة بلعب الورق والنرد والشجار على دراهم معدودة. وعندما يأتي المساء يعود للمنزل ويغير ثيابه الريفية التي عادة ما تكون قد أصابتها الأوساخ أثناء جولته. ويرتدي ملابس البلاط والتشريفات لكي يكون بصحبة من أحبهم ويدخل إلى مكتبته الخاصة. ويعتبر ذلك حياته الفعلية وخلال ذلك الوقت يدون ملاحظات في كتاب صغير أسماه “الأمير”؛ والذي نشر بعد وفاته بخمس سنين. لم يفهمه البعض وهاجموه حتى أصبح اسمه ملازماً للشر دائماً حتى في الفنون الشعبية. إذ ذكره شكسبير بروايته “زوجات وندسور المرحات” عندما أطلق على لسان أحد شخصياته قوله: “أأنا مخادع؟، أأنا مَكيافيلي؟!” بقصد الذم.
لم يحلم ميكيافيلي بأن الرسالة القصيرة عن فن الحكم والتي كتبها في عام 1513م إلى الأمير لورنزو سيكون لها حياة طويلة جدًا.
ولكن ببزوغ عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عـنه. ولم يصل ميكيافيللي وفكره لما وصل إليه الآن إلا في القرن الثامن عشر عندما مدحه جان جاك روسو، وفيخته، وشهد له هيغل بالعبقرية. حيث يُعتبر ميكيافيللي ركناً لعصر التنوير الأوروبي.
من أهم مقولاته:
“الغاية تبرر الوسيلة” … واحدة من أشهر الجمل التي كثيرًا ما يتم تداولها والتي تعطي انطباعاً بالانتهازية والأنانية، بل هناك أجيال لا تعرف عن ميكيافيللي سوى هذه الجملة!
”الطريقة الأهم لتقييم الحاكم، هي النظر إلى الرجال المحيطين به“.
أيهما أفضل: أن تكون مهابًا أم محبوبًا ولكن من الصعب تحقيق الاثنين، والأضمن أن تكون مهابًا على أن تكون محبوبًا، إذا لم تستطع أن تكون كليهما.
“الميكيافيلية” مصطلح لاقى رواجاً وشهرة واسعة بعد نشر رائعـته “الأمير”، ويطلق المصطلح على النظم السياسية التي تشابه والقائمين عليها شخصية الأمير التي ورد وصفها في الكتاب.
منذ صدور كتاب الأمير وإلى يومنا هذا يعتبر أحد أشهر ما كتب في السياسة. وعدّ البعض أن ميكيافيللي في كتابه بدا كأنه يبدي دعماً كبيراً للسلوكيات الشيطانية وغير الأخلاقية للحكام. بينما عدّ الآخرون أن الكتاب يقدم صورة عن الواقعية وانفصال السياسة عن الدين.
دعـا للحكمة في التماس المشورة فقط عند الضرورة؛ والاستطاعـة أن يكون “متصنعاً وكتوماً” ؛ والقدرة على أن يكون ( مكر الثعلب – والمقدرة على استخدام قوة الحيوانات وعقل البشر) .
ظل كتاب الأمير دائماً ضمن قائمة الكتب المحرمة، ويعـود ذلك أساساً لإلغائه أيـة صلة بين الأخلاق والسياسة: فبالنسبة له يجب على الأمير أن يحاول الظهور بمظهر الحليم والمتدين والنزيه والأخلاقي. ولكن في الواقع، إن واجبات الأمير لا تسمح له بامتلاك أي من هذه الفضائل.
يقول عن الناس بصورة عامة: “إنهم ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون ميالون إلى تجنب الأخطار وشديدو الطمع. وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم، فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون كما سبق لي أن قلت، طالما أن الحاجة بعيدة نائية، ولكنها عندما تدنو يثورون، ومصير الأمير الذي يركن إلى وعودوهم دون اتخاذ أي استعـداد هو الدمار والخراب”.
أي أجنبي قوي يدخل إلى بلد فإن مستضعفي سكانها سيؤيدونه مدفوعين بحقدهم على حكامهم. ولا يتكبد الأمير أي عناء في ضمهم إليه؛ لأنهم ينضمون بإرادتهم إلى قواته الغازية. ويجب على الأمير أن يحذر من أن ينالوا سلطانًا كبيرًا أو قوة، ومن لا يستطيع تحقيق ذلك سيواجه صعوبات ومشكلات لا حصر لها.
المزايا يجب إعطاؤها للرعايا جرعة جرعة حتى يستمتعوا بها ويشعروا بفائدتها.
كان «موسوليني» لا ينام حتى يقرأ كتاب الأمير لـ «ميكيافيللي»، واحتفظ هتلر بنسخة من الأمير في سريره ليقرأ منه كل ليلة قبل أن ينام، ومن المعروف أن ستالين قد أعـجب بالكتاب أيضًا. ووصفه موسوليني بأنه “المرشد الأعلى للدولة”؛ كما تم العثور على نسخة منه لدى نابليون في ووترلو! ولا ننسى أن فرانسيس بيكون (العالم والفيلسوف) من بيّن أولئك الذين قدروا آراء ميكيافيللي الصريحة.
وأخيرًا يقول: “يجب على القادة ألا يعتمدوا على الحظ، بل يجب أن يشكلوا ثروتهم الخاصة من خلال الكاريزما والمكر والقوة”.
رقم العدد ١٥٩٩٢

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار