التراجيديا العالميّة

الجماهير- بيانكا ماضيّة

وفيما ينتشر الوباءُ انتشاراً صامتاً، ويحيقُ بأذرعِه الأخطبوطيّةِ أجسادَ آلافِ البشر، وفيما ينتشرُ الصمتُ في الشوارع، وتُغلِق المحالُ والمحطاتُ والحدائقُ والمطاراتُ أبوابَها، ثمّة مسافاتٌ تضمحلُّ في أمكنةٍ، وتباعدٌ اجتماعيٌّ ينشر ظلالَه في أمكنةٍ أخرى، والشوقُ يسافرُ في كلِّ البلاد، نسراً يرفرفُ بجناحيه فوق كلِّ البلاد.
كأنَّ الحربَ كانت تمريناً على القتالِ ضدّ عدوٍ واحد، كانت تمريناً على صبرٍ، واكتفاء، حين كان آلافُ الأعداءِ يقتحمون التخومَ؛ لينشروا وباءً أوجَد الجنودُ ترياقاً مضّاداً للقضاءِ عليه. وتمّ القضاءُ عليه، وامّحتْ وسُحقتْ تحت الأقدامِ شبهُ دولةٍ كانوا يعلنون راياتِها السوداء.
ضبابيُّ الملامح، لايُرى بعينٍ مجرّدة، ينشر ذعراً وقلقاً في طول البلاد وعرضها، وثمَّةَ رؤساءُ في الغربِ ابتُلي بهم الشرقُ كلّه، رؤساءُ لايتّعظون، القتلُ والسلبُ والنهبُ ديدنُهم، يتفاخرون بما كدّسوا بها بنوكَهم، ولكنَّ بنكَ الإنسانيّة قد أعلنَ لديهم إفلاسَه. كأن الوباءَ استخلصونه من شرايينهم؛ ليبثَّ سمومَه في وجوهِ العجائزِ الطيّبين، ماتت ضمائرُهم وراحوا يقيمون عيداً للضمير!.
مساراتٌ كارثيّة، ولامبالاة بمصيرِ الإنسان، واهتمامٌ وحيدٌ هوسيّ بمصيرِ الاقتصاد!.طوفانٌ اجتاح الدول والمدن والقرى، وحوّل الغربَ إلى بؤرةٍ وباءٍ، وبدأ الانهيارُ يطال كلَّ الأشياءِ، وبدأ السباق على الأشياءِ نفسِها، كأنَّ (أوراق التواليت) أهم من كل هذه الحياة؟! حتى الموتى لم يخرجوا عن هذا الصراع، توابيتُهم تزاحمُ نفسَها في مشهدٍ أخيرٍ فوق هذه الأرض!.
أية مقوّمات حضارية سقطت عند أول امتحان لفيروس متناهي الصغر؟! الدولُ تسرق الدولَ، وبات القاعُ مزدحماً! أيةُ رؤيةٍ مشوهةٍ للإنسان والحياة حين يُحرم عجوزٌ من جهازٍ للتنفس؛ لتكون الحياةُ لآخرَ أكثر شباباً؟! كأنه حكمُ إعدامٍ مرتقب! سقطت دولٌ وأفرادٌ ومجتمعات، وتحطّم التكبّرُ والعنجهيةُ وعقدة التفرّد.
وباءٌ فتّاك يفقسُ كلَّ يومٍ في الغرب ملايينَ البيوض، في الوقت الذي عجز فيه هذا الغربُ عن احتوائه ومنع انتشارِه! جلُّ بحثه العلمي لهذا الغرب كان متوجهاً لتدمير الإنسان، في الوقت الذي أظهر فيه الشرقُ أن ابتكارَ الأدوية، والسعي إلى صناعةِ مايقي من انتشارِ هذا الوباءِ هو انتصارٌ بحدِّ ذاتِه للإنسانية، وفتحُ نوافذِ الأملِ على حياةٍ ستتغير ما من شكّ بعد القضاءِ على الوباء الذي كاد أن يقضي على كرةٍ أرضيّةٍ بأكملِها!.
رقم العدد ١٦٠٠٦

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار