(حارس القدس) أصابهم في مقتل!

الجماهير- بيانكا ماضيّة

تحت عنوان “الوتر المشدود محكوم بالنغمة الحادة” أشار الكاتب القدير حسن م. يوسف في صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي، إلى تلك النغمة النشاز التي تظهر بين الفينة والأخرى، لتشوّه اللحن الجميل لسورية!
فكتب: (بعض من يحسبون أنفسهم على خط سيدنا المطران كبوجي انزعجوا من قوله في مسلسل “حارس القدس”: “مسيحيتي وعروبتي توأمان…من لايحب أمته خائن لربه.” وهم ينشرون كلاماً جارحاً بحق أسرة المسلسل!
ويتابع: لهؤلاء أقول: نحن لم نضع أفكارنا في فم سيدنا المطران كبوجي، كل فكرة ينطق بها المطران كبوجي في المسلسل موثقة إما بالصوت والصورة وإما كتابياً…نعم لكم الحق أن تشعروا أن هذا المناضل الكبير كبوجي لايشبهكم، فحبّه لبيته لم يكن يمنعه من حب بلده وأمته والعالم والإنسانية جمعاء).
كنت أرغب في ألا أكتب عن مسلسل (حارس القدس) هذا المسلسل التوثيقي المهم، إلا بعد عرض الكثير من حلقاته، لكن يبدو أن النغمة النشاز التي نسمعها اليوم بحاجة إلى الإشارة إليها؛ لتقويمها وطرحها خارج اللحن الأساس.
هذه النغمة الجديدة طالعتنا منذ بداية الحرب، فمنهم من عزف على وترها بوعي وقصد، وهدفُه واضحٌ لمن يعي ويدرك، ومنهم من عزف عليه عن جهل وانسياق تام لتلك النغمات التي لا أفق لها إلا التقسيم والتفتيت، تلك النغمات التي لم تكن إلا من المحرّضين على خراب سورية..
حين ينادون بالفصل بين العروبة والمسيحيّة، ففي هذا محاولة بائسة منهم لفصل سورية عن تاريخها القريب والبعيد، وحصرها في مجال أضيق مما هي عليه وفيه..
فالتاريخ يخبرنا بالدور الذي لعبه المسيحيون في النهضة العربية، وفي بناء الحضارة العربية الإسلامية، إذ هم لم ينظروا إلى الدين الإسلامي نظرة عدائية بل تعمّقوا فيه لجهة الانتماء العربي، ومن هنا كان لهم دور في تطور المجتمعات العربية وتعزيز ثقافة الانتماء العربي والدفاع عن القضايا العربية الوطنية، وفي بناء الفكر القومي، إذ شددوا على التمسك بالتراث وبالهوية العربية وحاربوا أي اعتداء غربي على مجتمعاتهم، فمنذ الاحتلال العثماني كانوا نواة للفكر القومي في المنطقة.
مامن شكّ في أن سياسات الدول الاستعمارية اعتمادها مبدأ التقسيم للسيطرة على الدول، فتعمد إلى نشر مفاهيم تهدم بنية الوحدة الوطنية عبر تغليب التفرقة بين مختلف الطوائف، وما مصطلح (أقلية) إلا تسمية أطلقها المستعمر لأجل تحقيق هدفه في التقسيم والتفرقة، وجميعنا يشهد تلك المحاولات التي بدأت مع بداية الحرب على سورية من استكمال الخطط الغربية في إسقاط الهوية العربية عن المسيحيين، إذ أن كل محاولة (بقصد أو بغير قصد) في إبعاد المسيحيين عن هذه الهوية هي في النهاية تخدم هذا المشروع الامبريالي في المنطقة وتساعده على نشر هيمنته وهنا الطامة الكبرى، فالنيل من هذه الهوية منذ بداية الوجود المسيحي (منذ ظهور الديانة المسيحية في فلسطين المحتلة)، والتصويب عليها أدى إلى ضرب العمق العربي الطبيعي الذي انبثق عنه ذاك الوجود .
وبالعودة إلى منشور الكاتب القدير حسن م.يوسف في إشارته إلى أولئك الذين ينشرون كلاماً جارحاً عن أسرة المسلسل، فهذا دليل مؤكد على أن الفكرة التي أرادت أسرة المسلسل إظهارها وتسليط الضوء عليها في شخصيّة المطران وصلتهم وأصابتهم في مقتل..
لذلك لاغرابة أن نلمس هذا التصويب فنسمع اللحن النشاز الذي يشوّه ويصيب ذاك التميز للدور المسيحي في المنطقة ولعمق انتمائهم العربي.
هذا العمل الوطني المهم في هذه المرحلة، يعيد تصويب البوصلة نحو القدس، ويؤكد على الدور المهم والوطني الذي قام به مكوّن أساسي في هذه المنطقة، وهو مسيحيّو المشرق، على اختلاف أدوارهم وشخصياتهم وأعمالهم البطوليّة.
ومن هنا، وعدا عن اكتمال مقوّمات نجاح هذا المسلسل (نصّاً وإخراجاً وتمثيلاً وتصويراً) فقد نجح المسلسل في إصابة الهدف..
هذا المسلسل لايندرج ضمن الدراما السورية وحسب، وإنما ضمن حربنا التي تناولت المفاهيم والمصطلحات والأفكار، فشكراً لكل الأنامل التي وضعت بصمتها في هذا المسلسل الرائع فكراً وصورة وتمثيلاً وموسيقا وغيرها، لتعيد تلك الصورة المشرقة للمسيحية المشرقية عبر شخصية المطران هيلاريون كبوجي، الشخصية التي كان لها صوتها العالي في كل القضايا العربية وأولها قضية القدس.
فطوبى لحارس القدس ولكل حرّاسها الذين يضيئون قناديلهم على طريق القافلة التي تعيد تصويب البوصلة والمسار باتجاه القدس، فيما الأصوات النشاز تنبح على الجانبين!.
رقم العدد ١٦٠٢٦

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار